الخميس، ٩ رمضان ١٤٣١ هـ

ومات الفنان الكبير !

ومـات الفنـان الكبيــر

--------------------------------------------------------------------------------



رُوِي أنَّ لقمان الحكيم (رحمه الله) قال لابنه: يا بني أنزل نفسك منزلة من لا حاجة له بك، ولا بد لك منه. يا بني كن كمن لا يبتغي محمدة الناس، ولا يكسب ذمهم؛ فنفسه منه في عناء والناس منه في راحة.
وجاء رجل يسأل القاسم بن محمد – والقاسم من أئمة التابعين وجَده الصديق - عن الغناء أحرام هو؟ فسكت عنه القاسم، ثم عاد فسكت عنه، ثم عاد فقال:إنَّ الحرام ما حرم الله في القرآن، أرأيت إذا أُتي بالحق والباطل إلى الله فأيهما يكون الغناء؟ فقال الرجل في الباطل، فقال فأفت نفسك.


وقيل لعبدالرحمن بن القاسم كما في المدونة الكبرى: أكان مالك يكره الغناء؟ قال كره مالك قراءة القرآن بالألحان فكيف لا يكره الغناء؟! وقال العيني في عمدة القارئ: قال بعض مشايخنا استماع القرآن بالألحان معصية والتالي والسامع آثمان!


قدم سفيان الثوري المدينة فسمع الغاضري يتكلم ببعض ما يُضحك الناس! فقال: يا شيخ أما علمت أن لله يوماً يحشر فيه المبطلون؟ قال فلم يزل تعرف في الغاضري حتى لقي الله عز وجل.
وقال ابن قدامة المقدسي: وأما المروءة فاجتناب الأمور الدنيئة المزرية به – أي بالإنسان - وذلك نوعان: أحدهما من الأفعال كالأكل في السوق، يعني به الذي ينصب مائدة في السوق ثم يأكل والناس ينظرون، ولا نعني به أكل الشيء اليسير كالكسرة ونحوها، أو إن كان يكشف ما جرت العادة بتغطيته من بدنه أو يمد رجليه في مجمع الناس أو يتمسخر بما يضحك الناس به أو يخاطب امرأته أو جاريته أو غيرهما بحضرة الناس بالخطاب الفاحش أو يحدث الناس بمباضعته أهله، ونحو هذا من الأفعال الدنيئة، ففاعل هذا لا تُقبل شهادته؛ لأن هذا سخف ودناءة، فمن رضيه لنفسه واستحسنه فليست له مروءة، فلا تحصل الثقة بقوله. (انتهى بتصرف).


قال الشاعر:
لا أرى الموت يسبق الموت شيء **** سبق الموت ذا الغنى والفقيرا
عندما تُفْجَع الصحافة والإعلام وتَفْجَع عامة الجماهير بموت فنان من الفنانين الذين طالما آذونا باستهزائهم بالدين واستخفافهم بأهله وبالصالحين وبتعاليم ديننا الحنيف وبسنة سيد المرسلين!
تنكِّس معظم وسائل الإعلام أعلامها حداداً عليه، وتتوشح بالسواد حزناً لفراقه، وتكيل له القنوات والصحافة بالمديح حتى إن سفهاء الأحلام يكادون يبكون لفراق ذلك الفاسق المجاهر بفسقه، وبعضهم يُعدُّه فاتحاً مناضلاً في قضيته المهمة وهي – خدمة الفن – وبئست القضية وبئس المناضل!


رفاق دربه في الفن ينعونه ويُأبِنونَه ويذكرون محاسنه التي خفيت علينا وعرفوها هم من خلف الكواليس، وظهر علينا في حياته بضدها، ونعلم يقينا أنه لا ينفعه التأبين وذكر المحامد الكاذبة وقد عُرِف بضدها، وقد رأى ابنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما - فُسْطَاطًا على قَبْرِ عبدالرحمن بن أبي بكر الصديق، فقال انْزِعْهُ يا غُلَامُ فَإِنَّمَا يُظِلُّهُ عَمَلُهُ!! (ذكره البخاري في صحيحه تعليقاً)


أيها الفنانون: أيغريكم تأبين الإعلام لكم أو تكريمهم لكم بعد عام من رحيلكم، إن كان قارئ القرآن الذي طلب به حَمْدَ الناس والسمعة والشهرة تُسعَّر به النار قبل أهلها فما بالكم بمن يطلب الشهرة والمديح والسمعة بالتهريج والغناء والمجون؟! سلوا الله العفو والعافية، واستقيموا، ولن تحصوا، وما عند الله خير وأبقى...


أيها الفنانون: نحن نحبكم في الله لأخوَّتكم لنا في الدين، ونشفق عليكم، ومن محبتنا نصحنا لكم فنقول كما قال نبيكم - صلى الله عليه وسلم - فيما صح عنه: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) فنشهد بالله أننا لا نعرف الفن في هذه الثلاث، ونقول لكم كما قال نبينا ونبيكم صلى الله عليه وآله وسلم فيما صح عنه أيضا (يَتْبَعُ الْمَيِّتَ ثَلَاثَةٌ، فَيَرْجِعُ اثْنَانِ وَيَبْقَى وَاحِدٌ، يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَيَبْقَى عَمَلُهُ) فأحسنوا ما يبقى معكم، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن لكم حين لا يكون إلا الأعمال، فالخير في كفه، والشر في كفه، وأحكم الحاكمين العدل هو الله، فأين ترون فَنَّكم.


إننا إذ نخشى عليكم نخطركم من مغبة قوله تعالى:{لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ} (25) سورة النحل.


اعلموا أننا شهداء الله في أرضه عليكم، وقد سئمنا فَنَّكم وسُخفكم، وأنكم ممن لا نعرف عنكم إلا بما رأينا من حالكم في المشاهد الماجنة والحفلات الراقصة والغناء والإسفاف والاستخفاف بالعقول، فلن ينفعكم إلا التوبة النصوح إلى الله وصالح أعمالكم – بعد رحمة الله - ولن ينفعكم والله تطبيل الإعلام لكم ولا تأبينه لكم بعد موتكم...!!


روى البخاري ومسلم عن أبي قَتَادَةَ بن رِبْعِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ كان يحدث أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مُرَّ عليه بِجِنَازَةٍ فقال (مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ منه. قالوا يا رَسُولَ اللَّهِ ما الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ منه؟ قال: الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ من نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إلى رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ منه الْعِبَادُ وَالْبِلَادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ)...


وروى الشيخان أيضا عن أَنَسِ بن مَالِكٍ قال: (مُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عليها خَيْرًا فقال نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ، وَمُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عليها شَرًّا فقال نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ). قال عُمَرُ فِدًى لك أبي وَأُمِّي. مُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عليها خيرا فَقُلْتَ وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ، وَمُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عليها شرا فَقُلْتَ وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ فقال رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم – (من أَثْنَيْتُمْ عليه خَيْرًا وَجَبَتْ له الْجَنَّةُ وَمَنْ أَثْنَيْتُمْ عليه شَرًّا وَجَبَتْ له النَّارُ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ في الأرض أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ في الأرض أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ في الأرض) "لفظ مسلم".


فنذكركم بالتوبة إلى الله حبا في الخير إليكم وكفا لشر يمليه الشيطان عليكم فـ{لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (21) سورة النــور.{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (31) سورة النــور.


فإن أبيتم فالله قد قال {كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً} (84) سورة الإسراء.


وإن أعرضتم ومُتُّم قبل التوبة سندعو الله أن يحاسبكم بأعمالكم وعدله فيكم، وسنقول لأحدكم إن هلك، مات الفنان الكبير بعد أن أمضى حياته في خدمة الفن: نسأل الله أن يجعل ذلك في ميزان أعماله، وبيننا وبينكم يوم الجنائز.


نسأل الله الهداية لنا ولكم، والتوفيق الرشاد وحياة الصالحين، كما نسأله الرحمة والمغفرة لموتى المسلمين أجمعين.

ليست هناك تعليقات: