الثلاثاء، ٨ ديسمبر ٢٠٠٩
اهمية صلاة الجماعة
إن الحمد للّه، نحمده، و نستعينه، و نستغفره، و نعوذ باللّه من شرور أنفسنا، و سيئات أعمالنا، من يهده اللّه فلا مضل له، و من يضلل فلا هادي له، و أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، و أشهد أن محمَّدًا عبده و رسوله، صلى اللّه عليه و على آله و أصحابه و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، و سلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
إذا كنت تريد أن يكون الله لك كما تريد فكن له كما يريد !
{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ }الرعد11
التفسير : لله تعالى ملائكة يتعاقبون على الإنسان من بين يديه ومن خلفه, يحفظونه بأمر الله ويحصون ما يصدر عنه من خير أو شر. إن الله سبحانه وتعالى لا يغيِّر نعمة أنعمها على قوم إلا إذا غيَّروا ما أمرهم به فعصوه. وإذا أراد الله بجماعةٍ بلاءً فلا مفرَّ منه, وليس لهم مِن دون الله مِن وال يتولى أمورهم, فيجلب لهم المحبوب, ويدفع عنهم المكروه.
نعم إذا كنت تريد من الله أن يحقق كل مطالبك فكن له سامعا مطيعا منفذ أوامر لا يفتقدك حيث أمرك ولا يجدك حيث نهاك. نحن جميعا ندعي محبة الله لكن لكل إدعاء شهودا فمن الشواهد تتبع تنفيذ أوار الله واجتناب معاصيه في كل صغيرة وكبيرة . إذا كان الله يأمرني بالصلاة مع جماعة المسلمين وأنا أصلى في رحالي فمعنى هذا أني أريد من الله يعافيني ويرزقني وأنا أعمل على ما يمليه على هواي . عَنْ عَلِىٍّ رضي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : لاَ صَلاَةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إِلاَّ في الْمَسْجِدِ. فَقِيلَ لَهُ : وَمَنْ جَارُ الْمَسْجِدِ؟ قَالَ : مَنْ أَسْمَعَهُ الْمُنَادِى
فاعلم أنه لا ريب أن الصلاة قرة عُيون المحبين ، و لذة أرواح الموحدين ، و بستان العابدين و لذة نفوس الخاشعين ، و محك أحوال الصادقين ، و ميزان أحوال السالكين ، و هي رحمةُ الله المهداة إلى عباده المؤمنين .
فعلينا المحافظة عليها مع جماعة المسلمين مالم يكن لنا عذرا مشروع فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادي بهن فإن الله شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة ويرفعه بها درجة ويحط عنه بها سيئة ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم نفاقه ولقد كان الرجل يؤتى به يهادي بين الرجلين حتى يقام في الصف * رواه مسلم
يقول الدكتور/ سعيد بن علي بن وهف القحطاني : أمر الله - عز وجل- بالصلاة مع المصلين فقال: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ}.
فقد أمر الله - عز وجل- بالصلاة مع جماعة المصلين والأمر يقتضي الوجوب.
عاقب الله من لم يُجب المؤذن فيصلي مع الجماعة بأن حال بينهم وبين السجود يوم القيامة، قال - عز وجل-: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ، خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} [سورة القلم فقد عاقب سبحانه من لم يجب الداعي إلى الصلاة مع الجماعة بأن حال بينه وبين السجود يوم القيامة، وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه- قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياءً وسمعة، فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقاً واحداً". وفي لفظ: ".. فيُكشف عن ساق فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن الله له بالسجود، ولا يبقى من كان يسجد اتقاءً ورياءً إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة كلما أراد أن يسجد خرَّ على قفاه.. أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة مع الجماعة، فعن مالك بن الحويرث - رضي الله عنه- قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من قومي، فأقمنا عنده عشرين ليلة - وكان رحيماً رفيقاً- فلما رأى شوقنا إلى أهالينا قال: "ارجعوا فكونوا فيهم، وعلِّموهم، وصلُّوا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم " فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر بصلاة الجماعة، والأمر يقتضي الوجوب.
".
وهذا فيه عقوبة للمنافقين وأن ظهورهم يوم القيامة تكون طبقاً واحداً: أي فقار الظهر كله يكون كالفقارة الواحدة فلا يقدرون على السجود.
أسأل الله أن يوفق المسلمين للتمسك بكتاب ربهم وسنة نبيهم والسير في منهج السلف الصالح في عقائدهم وعباداتهم وسائر شئون حياتهم، وأن يجعلنا من المفلحين الذين تنهاهم صلاتهم عن الفحشاء والمنكر، إن ربي لسميع الدعاء.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الخميس، ٢٤ سبتمبر ٢٠٠٩
سورة النور
إنَّ الحَمْدَ لله، نَحْمَدُه، ونستعينُه، ونستغفرُهُ، ونعوذُ به مِن شُرُورِ أنفُسِنَا، وَمِنْ سيئاتِ أعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِه الله فَلا مُضِلَّ لَهُ، ومن يُضْلِلْ، فَلا هَادِي لَهُ.
وأَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبْدُه ورَسُولُه.
{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } [آل عمران: 102] .
{ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } [النساء: 1] .
{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } [الأحزاب: 70، 71].
أما بعد . فقد ساورتني فكرة وتفكر في سورة النور تلك السورة المباركة العظيمة التي ذكر الله في مطلعها فرضيتها من دون سور القرآن وإن كان كل مافي القرآن مفروض على المسلم . وفيه تنبيه على الاعتناء بها ولا ينفى ما عداها قال تعالى :
{سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } النور1 إذا ما هي الحكمة من نزول هذه السورة العظيمة المباركة هي التذكر والتذكر تعني الارتقاء بعقولنا للتفكر في آلا الله ليوصلنا تفكرنا إلى عالم اليقين الذي هو إزاحة الشك وتحقيق الأمر وقد حصل هذا من تتابع الآيات و جاء في تفسير القرطبي قوله : مقصود هذه السورة ذكر أحكام العفاف والستر. وكتب عمر رضي الله عنه إلى أهل الكوفة: "علموا نساءكم سورة النور". وقالت عائشة رضي الله عنها: "لا تنزلوا النساء الغرف ولا تعلموهن الكتابة وعلموهن سورة النور والغزل". {وَفَرَضْنَاهَا} قرئ بتخفيف الراء؛ أي فرضنا عليكم وعلى من بعدكم ما فيها من الأحكام. وبالتشديد: أي أنزلنا فيها فرائض مختلفة. وقرأ أبو عمرو: {وَفَرَضْنَاهَا} بالتشديد أي قطعناها في الإنزال نجما نجما. والفرض القطع، ومنه فرضة القوس. وفرائض الميراث وفرض النفقة. وعنه أيضا {فَرَضْنَاهَا} فصلناها وبيناها. وقيل: هو على التكثير؛ لكثرة ما فيها من الفرائض. والسورة في اللغة اسم للمنزلة الشريفة؛ ولذلك سميت السورة من القرآن سورة. قال زهير: ألم تر أن الله أعطاك سورة ... ترى كل ملك دونها يتذبذب ،
ثم ينتقل السياق إلى فرض عقاب من أرتكب جريمة الزنا وهو ينقسم إلى قسمين فالقسم الأول ينطبق على من أرتكب جريمة الزنا وهو محصن أي متزوج فهذا ينطبق في حقه الرجم والنوع الآخر الغير محصن وهو الذي لم يكن قد تزوج قبل وهذا ينطبق بحقه الجلد مائة والتغريب عام خارج البلد الذي يقيم فيه قال تعالىا: {لزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ }النور2 هذه الآية الكريمة فيها حكم الزاني في الحد، وللعلماء فيه تفصيل ونزاع؛ فإن الزاني لا يخلو إما أن يكون بكرًا، وهو الذي لم يتزوج، أو محصنا، وهو الذي قد وَطِئَ في نكاح صحيح، وهو حر بالغ عاقل. فأما إذا كان بكرًا لم يتزوج، فإن حدَّه مائة جلدة كما في الآية ويزاد على ذلك أن يُغرّب عاما [عن بلده] عند جمهور العلماء،خلافا لأبي حنيفة، رحمه الله؛ فإن عنده أن التغريبَ إلى رأي الإمام، إن شاء غَرَّب وإن شاء لم يغرِّب .
وحجة الجمهور في ذلك ما ثبت في الصحيحين، من رواية الزهري، عن عُبَيْد الله بن عبد الله بن عُتبة بن مسعود، عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجُهَنيّ، في الأعرابيين اللذين أتيا رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم - فقال أحدهما: يا رسول الله، إن ابني كان عَسِيفا - يعني أجيرا - على هذا فزنى بامرأته، فافتديت [ابني[ منه بمائة شاة وَوَليدَة، فسألت أهل العلم، فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريبَ عام، وأن على امرأة هذا الرجم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده، لأ قضين بينكما بكتاب الله: الوليدة والغنم رَدٌّ عليك، وعلى ابنك جَلْدُ مائة وتغريبُ عام. واغد يا أنيس - لرجل من أسلم - إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها ". فغدا عليها فاعترفت، فرجمها . ففي هذا دلالة على تغريب الزاني مع جلد مائة إذا كان بكرا لم يتزوج، فأما إن كان محصنا فإنه يرجم، كما قال الإمام مالك : وكما قضي بذلك المشرع العظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم
. لقد قام الرجلان بتطبيق النظام العرفي فيما بينهما وما علماء بما يترتب عليهما شرعا فبدلا من أن يغنم زوج المرأة الشياه وتبقى له زوجه يخسرهما تطبيقا لأمر الله تعالى وتلقى المرأة جزآها العادل بأعترفها ولوم تعترف ما كان أحدا يستطيع رجمها أو عقابها ولكنها أحست بالندم واختارت العقاب الدنيوي لعل الله أن يرحمها وهل وجدت أكبر من أنها جادت بنفسها لتطهير نفسها من درن الخطيئة فرحمها الله رحمة واسعة .
ثم ينتقل السياق إلى ما يناسب كل شخص من كفئه فقال : {الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ }النور3 بهذا يختار كل منهم من جنس ميوله الجنسي .
ثم يحفظ الإسلام أعراض الناس والذين يطلقون لأنفسهم العنان في هذا المجال ورد جزآهم بقوله تعالى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }النور4 ثم صنفهم سبحانه من الفاسقين غير أنه روؤف رحيم فجعل باب التوبة مفتوحا لمن ثاب إلى رشده .
ثم ينتقل السياق إلى تعامل الزوجين فيما لو قال رجل أنا رأيت رجلا مع آمراتي في هذه الحالة نزل بحقهم حكم خاص بهم ويسمى حكم الملاعنة أعاذنا الله من ذلك. قال الله تعالى : {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ } النور6
وأخرج البخاري ، والترمذي ، وابن ماجه ، عن ابن عباس : «أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " البينة ، وإلاّ حدّ في ظهرك " ، فقال : يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلاً ينطلق يلتمس البينة؟ فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " البينة وإلاّ حدّ في ظهرك " ، فقال هلال : والذي بعثك بالحق إني لصادق ، ولينزلنّ الله ما يبرئ ظهري من الحدّ ، ونزل جبريل فأنزل عليه
{ والذين يَرْمُونَ أزواجهم } حتى بلغ { إِن كَانَ مِنَ الصادقين } فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليهما ، فجاء هلال فشهد ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : " الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب؟ " ثم قامت فشهدت ، فلما كانت عند الخامسة وقفوها ، وقالوا إنها موجبة ، فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع ، ثم قالت : لا أفضح قومي سائر اليوم ، فمضت ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " أبصروها ، فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الآليتين خدلج الساقين فهو لشريك بن سحماء "
، فجاءت به كذلك ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن
والذين يرمون زوجاتهم بالزنا, ولم يكن لهم شهداء على اتهامهم لهنَّ إلا أنفسهم, فعلى الواحد منهم أن يشهد أمام القاضي أربع مرات بقوله: أشهد بالله أني صادق فيما رميتها به من الزنا, ثم يفرق بينهما ولا يحل لهما الزواج من بعضهما أبدا وأخرج عبد الرزاق عن عمر بن الخطاب ، وعليّ ، وابن مسعود ، قالوا : لا يجتمع المتلاعنان أبداً
سورة النور سورة مدنية تهتم بالآداب الاجتماعية عامة وآداب البيوت خاصة وقد وجّهت المسلمين إلى أسس الحياة الفاضلة الكريمة بما فيها من توجيهات رشيدة وآداب سامية تحفظ المسلم ومجتمعه وتصون حرمته وتحافظ عليه من عوامل التفكك الداخلي والانهيار الخلقي الذي يدمّر الأمم. وقد نزلت فيها آيات تبرئة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بعد حادثة الإفك قال تعالى :(إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ) آية
11قصة هذه الآية إنه
لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة معه في غزوة بني المصطلق وهي غزوة المريسيع، وقفل ودنا من المدينة آذن ليلة بالرحيل قامت حين آذنوا بالرحيل
فمشت حتى جاوزت الجيش، فلما فرغت من شأنها أقبلت إلى الرحل فلمست صدرها فإذا عقد من جزع ظفار قد انقطع، فرجعت فالتمسته فحبسها ابتغاؤه، فوجدته وانصرفت فلما لم تجد أحدا، وكانت شابة قليلة اللحم، فرفع الرجال هودجها ولم يشعروا بنزولها منه؛ فلما لم تجد أحدا اضطجعت في مكانها رجاء أن تفتقد فيرجع إليها، فنامت في الموضع ولم يوقظها إلا قول صفوان بن المعطل: إنا لله وإنا إليه راجعون؛ وذلك أنه كان تخلف وراء الجيش لحفظ الساقة. وقيل: إنها استيقظت لاسترجاعه، ونزل عن ناقته وتنحى عنها حتى ركبت عائشة، وأخذ يقودها حتى بلغ بها الجيش في نحر الظهيرة؛ فوقع أهل الإفك في مقالتهم، وكان الذي يجتمع إليه فيه ويستوشيه ويشعله عبد الله بن أبي بن سلول المنافق، وهو الذي رأى صفوان آخذا بزمام ناقة عائشة فقال: والله ما نجت منه ولا نجا منها، وقال: امرأة نبيكم باتت مع رجل. وكان من قالته حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش. هذا اختصار الحديث، وهو بكماله وإتقانه في البخاري ومسلم، وهو في مسلم أكمل. ولما بلغ صفوان قول حسان في الإفك جاء فضربه بالسيف ضربة على رأسه وقال:
تلق ذباب السيف عني فإنني ... غلام إذا هوجيت ليس بشاعر
فأخذ جماعة حسان ولببوه وجاءوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأهدر رسول الله صلى الله عليه وسلم جرح حسان واستوهبه إياه. وهذا يدل على أن حسان ممن تولى الكبر؛ وحكا أبو عمر بن عبد البر أن عائشة برأت حسان من الفرية، وقالت: إنه لم يقل شيئا. وقد أنكر حسان أن يكون قال شيئا من ذلك في قوله:
حصان رزان ما تزن بريبة ....... وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
حليلة خير الناس دينا ومنصب ... نبي الهدى والمكرمات الفواضل
عقيلة حي من لؤي بن غالب ..... كرام المساعي مجدها غير زائل
مهذبة قد طيب الله خيمها ........ وطهرها من كل شــين وباطـــــل
فإن كان ما بلغت أني قلته ........ فلا رفعـت سوطـي إلـي أنامــلي
فكيف وودي ما حييت ونصرتي ...... لآل رسول الله زين المحافل
له رتب عال على الناس فضلها ... تقاصر عنها سورة المـــتطاول
على ما يأتي والله أعلم. وكان صفوان هذا صاحبَ ساقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزواته لشجاعته، وكان من خيار الصحابة. وقيل: كان حصورا لا يأتي النساء؛ ذكره ابن إسحاق من طريق عائشة. وقيل: كان له ابنان؛ يدل على ذلك حديثه المروي مع امرأته، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في ابنيه: "لهما أشبه به من الغراب بالغراب". وقوله في الحديث: والله ما كشف كنف أنثى قط؛ يريد بزنا. وقتل شهيدا رضي الله عنه في غزوة أرمينية سنة تسع عشرة في زمان عمر، وقيل: ببلاد الروم سنة ثمان وخمسين في زمان معاوية. وبقية القصة معروفة .
وكل الآيات التي سبقتها إنما كانت مقدمة لتبرئتها. ثم يأتي التعقيب في الآية التي تليها قوله (لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ) الآية12 كذب واضح وفيها توجيه للمسلمين بإحسان الظنّ بإخوانهم المسلمين وبأنفسهم وأن يبتعدوا عن سوء الظن بالمؤمنين، وشددت على أهمية إظهار البيّنة (لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ) آية 13 ويأتي الوعظ الإلهي في الآية 17 (يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ). فالسورة بشكل عام هي لحماية أعراض الناس وهي بحقّ سورة الآداب الاجتماعية .
تبدأ السورة بآية شديدة اللهجة جداً (سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) آية 1 وفيها تنبيه للمسلمين لأن السورة فيها أحكام وآداب هي قوام المجتمع الإسلامي القويم.
تنتقل الآيات إلى عقوبة الزناة (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ) آية 2، والأصل في الدين الرأفة والرحمة أما في أحوال الزناة فالأمر يحتاج إلى الشدة والقسوة وإلا فسد المجتمع جرّاء التساهل في تطبيق شرع الله وحماية حدوده، لذا جاءت الآيات تدل على القسوة وعلى كشف الزناة . لكن يجب أن نفهم الدلالة من هذه الآية، فالله تعالى يأمرنا بأن نطبق هذه العقوبة بعد أن نستكمل بعض الضمانات لحماية المجتمع التي تتحدث عنها بالتفصيل الآيات التالية في السورة. والملاحظ في هذه السورة تقديم الزانية على الزاني وكما يقول الدكتور أحمد الكبيسي في هذا التقديم أن سببه أن المرأة هي التي تقع عليها مسؤولية الزنا فهي لو أرادت وقع الزنا وإن لم ترد لم يقع فبيدها المنع والقبول، وهذا على عكس عقوبة السرقة (والسارق والسارقة) فهنا قدم السارق لأن طبيعة الرجل هو الذي يسعى في الرزق على أهله فهو الذي يكون معرضاً لفعل هذه الجريمة هذا والله أعلم.
ولقد اقتبست من بعض المواقع بعض ماجا في هذه السورة العظيمة من الأحكام والتوجيه وأضفت إليها ما قدرت عليه مستعينا بالله فهو حسبي ونعم المعين .
ضمانات لحماية المجتمع:
1. الاستئذان إنما جعل الاستئذان من أجل النظر قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) آية 27 تعلمنا الآيات ضرورة الاستئذان لدخول البيوت وحتى داخل البيت الواحد للأطفال والخدم في ساعات الراحة التي قد يكون الأب والأم في خلوة فيجب على الجميع الاستئذان للأسباب أنفة الذكر (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) آية 58 ومن آداب الإسلام أن لا يدخل الأبناء على والديهم بدون استئذان . لان للأبآء خصوصياتكم الخاصة بهم وهي تعتبر خطوط حمراء يجب احترامها والابتعاد عنها امتثالا لأمر الله . وخاصة في هذه الأوقات الثلاث التي هي وقت راحت الجميع .
2. غضّ البصر وحفظ الفرج: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) آية 30 وهذا توجيه للرجال والنساء معاً فهم جميعاً مطالبون بغض البصر. كما قال الشاعر ألحميدي الثقفي : ( وأغض طرفي إن بدت لي جارتي .. حتى يواري جارتي مأواها )
3. الحجاب: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) آية 31
4. تسهيل تزويج الشباب (وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) آية 32 وتسهيل هذا الزواج لحماية الشباب الذي بلغ سن الزواج وبالتالي حماية المجتمع كاملاً. لقوله صلى الله عليه وسلم : عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تناكحوا تكاثروا فإني أباهي بكم الأمم حتى بالسقط"
5. منع البغاء لئلا تختلط الأنساب وتصبح الأمور فوضى بل يجب ربطه بالطريقة الشرعية التي شرعها الله تعالى لعباده : (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) آية 33روي عن جابر بن عبد الله وابن عباس رضي الله عنهم أن هذه الآية نزلت في عبد الله بن أبى، وكانت له جاريتان إحداهما تسمى معاذة والأخرى مسيكة، وكان يكرههما على الزنا ويضربهما عليه ابتغاء الأجر وكسب الولد، فشكتا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية فيه وفيمن فعل فعله من المنافقين. ومعاذة هذه أم خولة التي جادلت النبي صلى الله عليه وسلم في زوجها.
6. منع إشاعة الفواحش بإظهار خطورة انتشارها: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) آية 19 و(إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) آية 23 و24. فلقد لعن الله تعالى الذين يشيعون الفاحشة أو يرمون المحصنات وحذرهم من عذابه في الدنيا والآخرة.
نعود للآيات الأولى في حدّ الزنى ونرى أنه لا تطبيق لهذا الحدّ إلا إذا تحققت هذه الضمانات الاجتماعية أولاً وبعدها لو حدثت حادثة زنا لا يقام الحد حتى يشهد أربع شهود ومن غير الشهود لا يطبق الحدّ فكأن إقامة الحد مستحيلة وكأنما في هذا توكيد على أن الله تعالى يحب الستر ولا يفضح إلا من جهر بالفاحشة ولنا أن نتخيل أي إنسان يزني أمام أربع شهود إلا إذا كان فاجراً مجاهراً عندها هذا هو الذي يقام عليه الحدّ حتى لا يفسد المجتمع بفجوره وتجرئه على الله وعلى أعراض الناس في مجتمعه. فلو كان قد وقع في معصية ولم يكن له إلا ثلاث شهود لا يقام عليه الحد ويجب عليه التوبة والاستغفار ولهذا جاءت في السورة آيات التوبة والمغفرة . (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ) آية 10 و(إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) آية 5 و (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) آية 14 و(وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّه رءوف رَحِيمٌ) آية 14.
حد القذف: حذّرنا الله تعالى في هذه السورة من قذف المحصنات وبيّن لنا العقوبة التي تقع على هؤلاء وهي لعنة الله وعذابه في الدنيا والآخرة.
{الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ }النور26 هذه الآية على نمط الآية الخبيثات للخبيثين إذا فمال طائفة ممن أظلهم الله وأعمى أبصارهم يتهمون أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق بما رموها به ومعنى هذا إنهم يتهمون رسولنا صلى الله عليه وسلم بالخبث {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ }المنافقون4
آية النور: هذه الآية التي سميّت السورة باسمها فيها من الإعجاز ما توقف عنده الكثير من العلماء. ووجودها في سورة النور هو بتدبير وبحكمة من الله تعالى، فلو طبّق المجتمع الإسلامي الضمانات التي أوردتها الآيات في السورة لشعّ النور في المجتمع ولخرج الناس من الظلمات إلى النور، وشرع الله تعالى هو النور الذي يضيء المجتمع ولذا تكررت في السورة (آيات مبيّنات وآيات بيّنات) 9 مرّات لأن هذه الآيات وما فيها من منهج تبيّن للناس طريقهم والنور من خصائصه أن يبيّن ويَظهر ويكشف. هذا النور الذي ينير المجتمع الإسلامي إنما مصدره (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) آية 35، وينزل هذا النور في حق المساجد يوم كان المسجد هو المدرسة الأبتدآية والمتوسطة والثانوية والجامعة والبرلمان ومجلس للشورى وثكنة عسكرية منها ينطلق الفاتحون والمجاهدون وبه تعقد الرايات ومتعبد (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ) آية 36 وينزل على (رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) آية 37 والذي لا يسير على شرع الله يكون حاله كما في الآية (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ * أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ) آية 39 و 40
إضافة: بعد أن سمعت هذا الشرح كنت أصلّي العصر فجاءني خاطر بهذا التفسير: أنه من الممكن أن يكون القصد من الآية والله أعلم أن الإنسان هو المصباح والزجاجة هي المجتمع والمشكاة هي الأمة والفتيل هو تطبيق شرع الله الذي ينير أولاً الإنسان ثم ينعكس نوره على مجتمعه ثم على أمته فتكون مضيئة ومنيرة لغيرها من الأمم في أخلاقها وفي التزامها بشرع الله فإذا صلح الفرد صلح المجتمع وفي أخلاق الناس انعكاس على بعضهم البعض وعلى مجتمعاتهم هذا والله أعلم.
الثلاثاء، ٢٦ مايو ٢٠٠٩
الواجب نحو المساجد
المسجد هذا البيت الذي رفع ليذكر أسم الله فيه ويكون مكانا للتسبيح في جميع الأوقات صباحا وعشيا أمرنا بتشييدها وعمارتها بإقامة شعائر الله فيها مع الحرص على نظافتها وتطييبها وتهيئتها للمصلين وإبعاد كل ما يضايق المصلين من أطفال ومعتوهين ودواب وضوضاء وتقديم ألو العلم في الصفوف الأول وخلف الإمام لأنهم أحق بذلك من غيرهم ويكفينا ما ورد في هذا الصدد من سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم . و لكون المسجد بيت عبادة ومركزا للعلم والأدب ومركز للقيادة والتوجيه والإرشاد وملجأ للمسلمين في حل مشاكلهم ومكانا للألفة والمحبة بين المسلمين ومتنفس لشرح هموم المجتمع عندما يجتمعون لأداء الصلوات الخمس ومنه تخرج الفاتحون الأوائل على يد معلمهم العظيم محمد بن عبدا لله صلى الله عليه وسلم ومنه انطلقوا لفتح الأمصار وغيروا وجه التاريخ المظلم إلى وجه وضاء لصالح أمة الإسلام و جامعه وبرلمان وقيادة وكل ما يخص الدولة الإسلامية
عن أبي معمر، عن أبي مسعود قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مناكبنا في الصلاة ويقول: "استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، ليليني منكم أولو الأحلام والنُّهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم". قال أبو مسعود فأنتم اليوم أشد اختلافًا.
وكذا رواه مسلم وأهل السنن، إلا الترمذي، من طرق عن الأعمش، به
وإذا كان هذا أمره لهم في الصلاة أن يليه العقلاء ثم العلماء، فبطريق الأولى أن يكون ذلك في غير الصلاة.
وروى أبو داود من حديث معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية، عن كثير بن مرة، عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أقيموا الصفوف، وحَاذُوا بين المناكب، وسُدّوا الخلل، ولِينُوا بأيدي إخوانكم، ولا تَذَروا فرجات للشيطان، ومن وَصَل صفًّا وصله الله، ومن قطع صفّا قطعه الله"
ولهذا كان أبي بن كعب -سيد القراء-إذا انتهى إلى الصف الأول انتزع منه رجلا يكون من أفناء الناس، ويدخل هو في الصف المقدم، ويحتج بهذا الحديث: "ليليني منكم أولو الأحلام والنهى
ومجاورة الإمام لا تكون لكل أحد، وإنما هي كما قال صلى الله عليه: وسلم: " ليلني منكم أولو الأحلام والنهى " الحديث.
فيما يلي الإمام ينبغي أن يكون لمن كانت هذه صفته، فإن نزلها غيره أخر وتقدم وهو إلى الموضع، لأنه حقه بأمر صاحب الشرع، كالمحراب هو موضع الإمام تقدم أو تأخر. قاله ابن العربي. . قلت: وعليه يحمل قول عمر رضي الله عنه: تأخر يا فلان، تقدم يا فلان، ثم يتقدم فيكبر.
وقد قال ابن عباس : ( كنت أعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكبير )، وفي رواية أخرى: ( إن رفع الصوت بالتكبير عند الانتهاء من المكتوبة كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم )
وعن واثلة بن الأسقع، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "جَنِّبوا المساجد صبيانكم ومجانينكم، وشراءكم وبيعكم، وخصوماتكم ورفع أصواتكم، وإقامة حدودكم وسل سيوفكم، واتخذوا على أبوابها المطاهر، وجَمّروها في الجُمَع".
وفي الحديث الثاني: "جَنِّبوا مساجدكم صبيانكم" ، وذلك لأنهم يلعبون فيه ولا يناسبهم، وقد كان عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، إذا رأى صبيانًا يلعبون في المسجد ، ضربهم بالمِخْفَقَة -وهي الدِّرَّة -وكان يَعُسّ المسجد بعد العشاء، فلا يترك فيه أحدًا.
"ومجانينكم" يعني: لأجل ضعف عقولهم، وسَخْر الناس بهم، فيؤدي إلى اللعب فيها، ولما يخشى من تقذيرهم المسجد، ونحو ذلك.
"وبيعكم وشراءكم" كما تقدم.
"وخصوماتكم" يعني: التحاكم والحكم فيه؛ ولهذا نص كثير من العلماء على أن الحاكم لا ينتصب لفصل الأقضية في المسجد، بل يكون في موضع غيره؛ لما فيه من كثرة الحكومات والتشاجر والعياط الذي لا يناسبه؛ ولهذا قال بعده: "ورفع أصواتكم".
وقال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا الجُعَيْد بن عبد الرحمن قال: حدثني يزيد بن خُصَيفَة ، عن السائب بن يَزيدَ الكنْديِّ قال: كنت قائمًا في المسجد، فحصبني رجل، فنظرت فإذا عمر بن الخطاب، فقال: اذهب فأتني بهذين. فجئته بهما، فقال: من أنتما؟ أو: من أين أنتما؟ قالا من أهل الطائف. قال: لو كنتما من أهل
وقد أمر صلى الله عليه وسلم بتنظيفها وتطييبها فقال: (جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وسل سيوفكم وإقامة حدودكم ورفع أصواتكم وخصوماتكم وأجمروها في الجمع واجعلوا على أبوابها المطاهر).
أخرج ابن ماجه عن واثلة بن الأسقع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : « جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشراءكم وبيعكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم وإقامة حدودكم وسل سيوفكم واتخذوا على أبوابها المطاهر وجمروها في الجمع » ومنع إنشاد الضالة وإنشاد الأشعار ، فقد أخرج الطبراني . وابن السني . وابن منده عن ثوبان قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « من رأيتموه ينشد شعراً في المسجد فقولوا فض الله تعالى فاك ثلاث مرات ومن رأيتموه ينشد ضالة في المسجد فقولوا : لا وجدتها ثلاث مرات » الحديث .
وينبغي أن يقيد المنع من إنشاد الشعر بما إذا كان فيه شيء مذموم كهجو المسلم . وصفة الخمر . وذكر النساء . والمردان . وغير ذلك مما هو مذموم شرعاً ، وأما إذا كان مشتملاً على مدح النبوة والإسلام أو كان مشتملاً على حكمة أو باعثاً على مكارم الأخلاق والزهد ونحو ذلك من أنواع الخير فلا بأس بإنشاده فيها ، ومنع القاء القملة فيه بعد قتلها وهو مكروه تنزيهاً على ما صرح به بعض المتأخرين ،
ويندب أن لا تلقى حية في المسجد ، فقد أخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن رجل من الأنصار قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال عمر رضي الله عنه لما بنى الرحبة : من أراد أن يلغط أو يتحدث أو ينشد شعراً فليخرج إلى هذه الرحبة ،
وقال صلى الله عليه وسلم : « جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وسلّ سيوفكم وبيعكم وشراءكم ، وابنوا على أبوابها المطاهر »
ففي حل ذلك إنباء بأن من عمل في مساجد الله بغير ما وضعت له من ذكر الله كان ساعياً في خرابها وناله الخوف في محل الأمن – انتهى .
إذا فما بال أقوام لا يأتون المسجد إلا مستصحبين أطفالهم الذين لم يبلغوا سن التكليف رغم النصوص سالفة الذكر وهم بهذا يسيئون للمسجد وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا بظنهم أنهم يعودون أبنائهم حب الذهاب والإياب للمسجد بينما ورد النص بتجنب الأطفال والمجانين المساجد لراحة وروحانية أداء هذه الشعيرة العظيمة . وصلى الله على سيد ولد آدم محمد بن عبدا لله وآله وصحبه وسلم .
الاثنين، ٢٧ أبريل ٢٠٠٩
حــق الجار
{وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً }النساء36
مناسبة كتابة هذه الرسالة التقيت بأحد الإخوان وهو صديق لي من أيام الطفولة وسألته عن أحواله وماهو عليه من راحة مع الأهل والولد ؟ فأخبرني عما هو عليه وكان متوجعا من معاملة جارا له وهو من بني جلدته إذ إنه كلما أراد عمل إصلاح في داره تقدم جاره بشكوى للبلدية وقامت بينهما المشاكل وهو يذكر إنه لا يخشى من وعلى نفسه من جاره وإنما يخشى من وعلى أولاده أن يشتبكوا مع أولاد جاره ويصبحوا في موقف حرج . ولقد أوصيته بما ألهمني الله من ضبط النفس والتلطف لجاره بقدر المستطاع وأنا أعرف جاره لم يكن على قدر من العلم أو التقدير للآخرين وعنده شيء من الاعتداد بالنفس ولكن احترامه لجاره إنما احترام لشخصه ولقد أوصيته بما قاله الإمام الشافعي رحمه الله :
إذَا سَبَّنِي نَذْلٌ تَزَايَدْتُ رِفْعةً ........وَمَا الْعَيْبُ إلاَّ أَنْ أَكُونَ مُسَابِبُهْ
وَلَوْ لَمْ تَكْنْ نَفْسِي عَلَيَّ عَزِيزَةً .........لَمَكَّنْتُها مِنْ كُلِّ نَذْلٍ تُحَارِبُهُ
وَلَوْ أنَّني أسْعَى لِنَفْعِي وجدْتَني .........كَثِيرَ التَّواني للذِي أَنَا طَالِبُهْ
وَلكِنَّني أَسْعَى لأَنْفَعَ صَاحِبي ...وَعَارٌ عَلَى الشَّبْعَانِ إنْ جَاعَ صَاحِبُهْ
رحم الله الإمام محمد بن إدريس الشافعي لقد كان ينظر إلى الأمور بمنظار العقل والمعرفة المستمدة من كتاب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم . والحلم سيد الأخلاق كما قيل .
قال المفسرون :{ والجار ذِى القربى } أي الذي قرب جواره { والجار الجنب } أي البعيد من الجنابة ضد القرابة ، وهي على هذا مكانية ، ويحتمل أن يراد بالجار ذي القربى من له مع الجوار قرب واتصال بنسب أو دين وبالجار الجنب الذي لا قرابة له ولو مشركاً ، أخرج أبو نعيم . يقول عنترة بن شداد وهو شاعر جاهلي :
وأغض طرفي إن بدت لي جارتي *** حتى يواري جارتي مثواها
والبزار من حديث جابر بن عبد الله وفيه ضعف قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الجيران ثلاثة : فجار له ثلاثة حقوق : حق الجوار وحق القرابة وحق الإسلام ، وجار له حقان : حق الجوار وحق الإسلام ، وجار له حق واحد : حق الجوار ، وهو المشرك من أهل الكتاب " ، وأخرج البخاري في الأدب عن عبد الله بن عمر أنه ذبحت له شاة فجعل يقول لغلامه : أهديت لجارنا اليهودي أهديت لجارنا اليهودي؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه " والظاهر أن مبنى الجوار على العرف ، وعن الحسن كما في الأدب أنه سئل عن الجار فقال : أربعين داراً أمامه وأربعين خلفه وأربعين عن يمينه وأربعين عن يساره ، وروي مثله عن الزهري . وقيل : أربعين ذراعاً ، ويبدأ بالأقرب فالأقرب ، فعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : قلت يا رسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال : إلى أقربهما منك باباً ، وقرىء والجار ذا القربى بالنصب أي وأخص الجار ، وفي ذلك تنبيه على عظم حق الجار . وقد أخرج الشيخان عن أبي شريح الخزاعي " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره " وفيما سمعه عبد الله كفاية ، وأخرجه الشيخان وأحمد من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها .
{ والصاحب بالجنب } هو الرفيق في السفر أو المنقطع إليك يرجو نفعك ورفدك ، وكلا القولين عن ابن عباس ، وقيل : الرفق في أمر حسن كتعلم وتصرف وصناعة وسفر وعدوا من ذلك من قعد بجنبك في مسجد أو مجلس وغير ذلك من أدنى صحبة التأمت بينك وبينه ، واستحسن جماعة هذا القيل لما فيه من العموم . وأخرج عبد بن حميد عن علي كرم الله تعالى وجهه الصاحب بالجنب المرأة ، والجار متعلق بمحذوف وقع حالاً من الصاحب ، والعامل فيه الفعل المقدر { وابن السبيل } وهو المسافر أو الضيف . { وَمَا مَلَكَتْ أيمانكم } قال مقاتل : من عبيدكم وإمائكم ، وكان كثيراً ما يوصي بهم صلى الله عليه وسلم فقد أخرج أحمد والبيهقي عن أنس قال : «كان عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حضره الموت الصلاة وما ملكت أيمانكم حتى جعل يغرغرها في صدره وما يفيض بها لسانه» ثم الإحسان إلى هؤلاء الأصناف متفاوت المراتب حسبما يليق بكل وينبغي { إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً } أي ذا خيلاء وكبر يأنف من أقاربه وجيرانه مثلاً ولا يلتفت إليهم { فَخُوراً } يعد مناقبه عليهم تطاولاً وتعاظماً ، والجملة تعليل للأمر السابق .
{ والجار ذي القربى } قيل : هو الذي قرب جواره ، والجار الجنب هو الذي بعد جواره . قال عليه الصلاة والسلام : « لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه ألا . وعن أبي هريرة قيل : يا رسول الله إن فلانة تصوم النهار وتصلي الليل وفي لسانها شيء يؤذي جيرانها ، أي هي سليطة ، فقال عليه الصلاة والسلام : « لا خير فيها هي في النار »
ورد حديث جمع النبي صلى الله عليه وسلم فيه مرافق الجار، وهو حديث معاذ بن جبل قال: قلنا يا رسول الله، ما محق الجار ؟ قال: (إن استقراضك أقرضته وإن استعانك أعنته وإن احتاج أعطيته وإن مرض عدته وإن مات تبعت جنازته وإن أصابه خير سرك و هنيته وإن أصابته مصيبة ساءتك وعزيته ولا تؤذه بقتار قدرك إلا أن تغرف له منها ولا تستطل عليه بالبناء لتشرف عليه وتسد عليه الريح إلا بإذنه وإن اشتريت فاكهة فأهد له منها وإلا فأدخلها سرا لا يخرج ولدك بشي منه يغيظون به ولده وهل تفقهون ما أقول لكم لن يؤدي حق الجار إلا القليل ممن رحم الله) أو كلمة نحوها.
هذا حديث جامع وهو حديث حسن، في إسناده أبو الفضل عثمان بن مطر الشيباني غير مرضي.
الحادية عشرة - قال العلماء: ألا أحاديث في إكرام الجار جاءت مطلقة غير مقيدة حتى الكافر كما بينا.
وفي الخبر قالوا: يا رسول الله أنطعمهم من لحوم النسك ؟ قال: (لا تطعموا المشركين من نسك المسلمين).
ونهيه صلى الله عليه وسلم.
عن إطعام المشركين من نسك المسلمين يحتمل النسك الواجب في الذمة الذي لا يجوز للناسك أن يأكل منه ولا أن يطعمه الأغنياء، فأما غير الواجب الذي يجزيه إطعام الأغنياء فجائز أن يطعمه أهل الذمة.
قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة عند تفريق لحم الأضحية: (ابدئي بجارنا اليهودي).
روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه).
وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو إليه أذى جاره. فقال: "اطرح متاعك في الطريق". ففعل؛ وجعل الناس يمرون به ويسألونه. فإذا علموا بأذى جاره له لعنوا ذلك الجار. فجاء هذا الجار السيئ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو أن الناس يلعنونه. فقال صلى الله عليه وسلم: "فقد لعنك الله قبل الناس".
الثانية عشرة - قوله تعالى: (والصاحب بالجنب) أي الرفيق في السفر.
وأسند الطبري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان معه رجل من أصحابه وهما على راحلتين،
فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم غيضة ، فقطع قضيبين أحدهما معوج، فخرج وأعطى لصاحبه القويم، فقال: كنت يا رسول الله أحق بهذا ! فقال: (كلا يا فلان إن كل صاحب يصحب آخر فإنه مسئول عن صحابته ولو ساعة من نهار).
وقال ربيعة بن أبي عبد الرحمن: للسفر مروءة وللحضر مروءة، فأما المروءة في السفر فبذل الزاد، وقلة الخلاف على الأصحاب، وكثرة المزاح في غير مساخط الله. ..وأما المروءة في الحضر فالإدمان إلى المساجد، وتلاوة القرآن وكثرة الإخوان في الله عز وجل.
وبالجملة : فالإسلام دين الرحمة والترابط والتآلف يدعو أبنائه إلى المحبة وصلة الأرحام والتواصي فيما بينهم بحقوق كثيرة مطلوبة من المخاطبين بالتشريع على اختلاف مشاربهم رجالا ونساء أن يولوا أمر الدين كل اهتماماتهم ، إنه دين الرابط والرحمة ويهتم بتوثيق الصلة بين أبنائه ، ومن ذلك تلك الآيات الكريمات سالفة الذكر التي تهذب طباع البشر وتوجه الفرد إلى أن يكون عضوا فاعلا في المجتمع المسلم بحسن التعامل مع الآخرين وخاصة مع الجيران وترويض نفوسهم على الخلق الحسن . أيه الإخوة الأحبة هذا قليل من كثير مما أوصى به الإسلام بحق الجار وحسن الجوار فلنحفظ الوصية ونعلم الآخرين الحضارة والأخلاق الإسلامية الرفيعة . ولنتأسى بسيد البشر الذي قال الله فيه : {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ }القلم4
الأربعاء، ١٥ أبريل ٢٠٠٩
الغيبــة والنميمــة
يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشريعته لا يهزأ قوم مؤمنون من قوم مؤمنين؛ عسى أن يكون المهزوء به منهم خيرًا من الهازئين, ولا يهزأ نساء مؤمنات من نساء مؤمنات; عسى أن يكون المهزوء به منهنَّ خيرًا من الهازئات, ولا يَعِبْ بعضكم بعضًا, ولا يَدْعُ بعضكم بعضًا بما يكره من الألقاب, بئس الصفة والاسم الفسوق, وهو السخرية واللمز والتنابز بالألقاب, بعد ما دخلتم في الإسلام وعقلتموه, ومن لم يتب من هذه السخرية واللمز والتنابز والفسوق فأولئك هم الذين ظلموا أنفسهم بارتكاب هذه المناهي. التفسير الميسر .
الغيبة : هي ذكرك أخاك بما يكره في غيبته
النميمة : هي نقل الكلام لقصد الإفساد بين الناس وهى سبب في تقطيع الأرحام والعداوة والشحناء بين الناس ولا حول ولا قوة إلا بالله
وقد أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يحدد مفهوم الغيبة لأصحابه على طريقته في التعليم بالسؤال والجواب، فقال لهم: "أتدرون ما الغيبة ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ذكرك أخاك بما يكره. قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته".
الهمز واللمز والغيبة والنميمة أخلاق ملا خلق له قال رسول الله: ( إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار! ) صحيح مسلم
وقد قيل : إن كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب فهنيئاً لمن كف لسانه إلا من خير، فإنك بذلك تغلب الشيطان، ومن كثر كلامه كثر سقطة، ومن كثر سقطة كثرت ذنوبه {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18
وقال أكثم بن صيفي لبنيه: إياكم والنميمة ! فإنها نار محرقة، وإن النمام ليعمل في ساعة مالا يعمل الساحر في شهر.
أخذه بعض الشعراء فقال:
إن النميمة نار ويك محرقة *** ففر عنها وجانب من تعاطاها
ولذلك قيل: نار الحقد لا تخبو. وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: [ لا يدخل الجنة نمام ]. وقال: [ ذو الوجهين لا يكون عند الله وجيها ]. وقال عليه الصلاة والسلام: [ من شر الناس ذو الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه ].
وقال كعب الأحبار: أصاب بني إسرائيل قحط، فخرج بهم موسى عليه السلام ثلاث مرات يستسقون فلم يسقوا فقال موسى: [ إلهي عبادك ] فأوحى الله إليه: [ إني لا أستجيب لك ولا لمن معك لان فيهم رجلا نماما، قد أصر على النميمة ].
فقال موسى: [ يا رب من هو حتى نخرجه من بيننا ] ؟ فقال: [ يا موسى أنهاك عن النميمة وأكون نماما ] قال: فتابوا بأ جمعهم، فسقوا. والنميمة من الكبائر، لا خلاف في ذلك، حتى قال الفضيل بن عياض: ثلاث تهد العمل الصالح ويفطرون الصائم، وينقضن الوضوء: الغيبة، والنميمة، والكذب. وقال قتادة : ذكر لنا أنّ عذاب القبر من ثلاثة : ثلثٌ من البول . وثلثٌ من الغيبة ، وثلثٌ من النميمة . وسبب نزول هذه الآية ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم لما وصف مساءَلة منكر ونكير وما يكون من جواب الميت قال عمر : يا رسول الله أيكون معي عقلي : ؟ قال : « نعم » قال . كُفيت إذن ، فأنزل الله تعالى هذه الآية .
قوله عز وجل : { ومثل كلمة خبيثة } فيها قولان : أحدهما : أنها الكفر . الثاني : أنها الكافر نفسه . { كشجرة خبيثةٍ } فيها ثلاثة أقاويل : أحدها : أنها شجرة الحنظل ، قاله أنس بن مالك . الثاني : أنها شجرة لم تخلف ، قاله ابن عباس . الثالث : أنها الكشوت . { اجتثت من فوق الأرض } أي اقتلعت من أصلها ، ومنه قول لقيط :
هو الجلاء الذي يجتث أصلكم ... فمن رأى مِثل ذا يوماً ومَنْ سمعا
{ ما لها من قرار } فيه وجهان : أحدهما : ما لها من أصل .
الثاني : ما لها من ثبات . وتشبيه الكلمة الخبيثة بهذه الشجرة التي ليس لها أصل يبقى ، ولا ثمر يجتنى أن الكافر ليس له عمل في الأرض يبقى ، ولا ذكر في السماء يرقى . ولابد من التنديد بأصحاب الصفات التالية كثرة الحلف بالكذب، المهانة، الهمزة النميمة، الغيبة، البخل، الاعتداء، غشيان الذنوب، الغلظة والجفاء، الشهرة بالشر .
كذلك إنتقاص الناس والنظر إليهم بعين الازدراء والاستصغار مما يجعل الناس يقتل بعضهم بعضا وينهب بعضهم بعضا وتصبح الحياة فوضوية لاستقرار لها ولا هدوء فتجنب كل هذه الأخلاق المشينة لا يقدم عليها من سما بخلقه عن سفاسف الأمور وترفع بنفسه عن السقوط في أوحال الرذيلة من الدسائس وإشعال الفتن بين المسلمين . وإني والله لأعجب من كثير من الناس ممن نصبوا أنفسهم للحكم على الآخرين ومن جرأتهم في تسليط ألسنتهم القذرة في الوقيعة في أعراض الآخرين وخاصة إذا كان ذلك الآخر ممن ينسب إلى العلم أو رجالات الحسبة وإني لأوعز ذلك إلى مرض في قلوبهم .
وقيل : إن الغيبة هي شهوة الهدم للآخرين، هي شهوة النهش في أعراض الناس وكراماتهم وحرماتهم وهم غائبون. إنها دليل على الخسة والجبن، لأنها طعن من الخلف، وهي مظهر من مظاهر السلبية، فإن الاغتياب جهد من لا جهد له. وهي معول من معاول الهدم، لأن هواة الغيبة، قلما يسلم من ألسنتهم أحد بغير طعن ولا تجريح.
وعند البخاري من حديث أَنَسٍ رضي الله عنه أن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا ، فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا قَالَ : تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ ) وتفسيره أَن يمنَعه من الظلم إِن وجده ظالِماً ، وإِن كان مظلوماً أَعانه على ظالمه ،
قال ابن اسحاق : ثم أن قريشاً اشتد أمرهم للشقاء الذي أصابهم في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أسلم معه منهم ، فأغروا برسول الله صلى الله عليه وسلم سفائهم فكذبوه وآذوه ، ورموه بالشعر والسحر والكهانة والجنون .. مر بهم صلى الله عليه وسلم طائفاً بالبيت فغمزوه ببعض القول فعرف ذلك في وجهه صلى الله عليه وسلم ثم مر بهم ثانية فغمزوه ، ثم الثالثة بمثلها فوقف ثم قال : أتسمعون يامعشر قريش ، أما والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح ، فأخذت القوم كلمته حتى ما منهم رجل إلا كأنما على رأسه طائر واقع (26) .
وقد وصف الله همزهم وغمزهم به صلى الله عليه وسلم بقوله سبحانه - : (( وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون )) سورة القلم ، آية 51 .
وهكذا الدعاة إلى شرعه وسنته ، يلاقون الاستهزاء والسخرية وتلك سنة باقية إلى يوم الدين .
ولهذا فإن عقبة الاستهزاء تصدم بعض الدعاة وآخر تفت في عضده وآخر تقهقره وتجنبه وآخر لا تزيده إلا صلابة في الحق وإصراراً على الاستمرار في منهج الإصلاح ومقاومة الباطل وهذا النمط الأخير هو الذي تحتاجه الأمة ، وهو زاد الدعوة إلى دين الله الحق لأن صاحبه ينظر إلى أقوال الأنبياء والرسل - كما مرت بك آنفاً - فيعلم ويستيقن أنه وارث لتركتهم وهم لم يخلفوا للناس إلا دعوة الخير والتوحيد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجتثاث الفساد من الأرض ، ولهذا لا يعبأ بهذا الاستهزاء ولو كدر خاطره فإنه من الأذى الذي لا بد منه في سبيل الدعوة ، ولهذا فقد ربح بيعه لا يقيل ولا يستقيل .
الفصل الرابع .صور من مظاهر الاستهزاء
تتنوع مظاهر الاستهزاء حسب ما يصدر من المستهزئ أو الساخر فقد تكون السخرية بالكلام ، وهذا النوع أكثر من أنواع الاستهزاء قديماً وحديثاً . وقد تكون السخرية بالإشارة غمزاً بالعين ، أو إخراج اللسان وقد تكون بحركة اليد أ . هـ
ومن الوثائق الدفاعية عن علما السلفية ما يلي : الله سبحانه يقول في كتابه العظيم وهو المرجع: ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ) [النساء:59] [ ثم قال كلاماً غير واضح] فالقرآن فيه الكفاية، والسنة فيها، ولهذا أمر الله بالرد إليهما، ففيهما الكفاية والهداية: ( وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ) .
فلا يجوز التعصب لا لزيد ولا لعمرو، يجب على طلبة العلم وعلى العلماء وعلى العامة المؤمنين الإنصاف لأهل الحق، وألا ينفّروا من فلان ولا من فلان، عليهم أن ينفّروا مما حرم الله، ينفّروا من المعاصي عليهم أن ينفروا من المعاصي ويحذروا منها، من الزنا ومن عقوق الوالدين ومن الربا ومن الغيبة ومن النميمة ، ومن ترك الصلاة، ومن ترك صلاة الجماعة إلى غيرها من المعاصي.
الفرق بين النميمة وبين النصيحة لله ولرسوله
[ المسألة الثالثة: الفرق بين النميمة وبين النصيحة لله ولرسوله ].
المقصود: هو قول عوف بن مالك حين قال: لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب يخبره، نقول: هذه ليست من الغيبة والنميمة، وإنما هذه نصيحة، فالذي يقع في المعصية مرتكباً لها ويعرف أنه قاصد لذلك فيبلغ أمره إلى ولي الأمر؛ حتى يردعه ويمنعه، ويقيم عليه الحد الذي يستحقه، ولا يكون ذلك من باب النميمة وإنما هي نصيحة. فذهب عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره، فوجد القرآن قد سبقه {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ }التوبة65 فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ارتحل وركب ناقته، فقال: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب، ونتحدث حديث الركب نقطع به عنا الطريق (3)، قال ابن عمر: كأني أنظر إليه متعلقا بنسعة ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن الحجارة لتنكب رجليه .
وبالجملة : فإن الغيبة والنميمة خلقان مذمومان ومعولان هدامان لايستعملهما إلا أراذل الناس أما كرامهم فهم يترفعون بأنفسهم عن ذلك الخلق الدنيء .والله المستعان وهو حسبي ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله عليه توكلت وهو رب العرش العظيم .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه الأخيار مادام الليل والنهار ..،،،
الأحد، ٥ أبريل ٢٠٠٩
الصبـــر
ولنختبرنكم بشيء يسير من الخوف، ومن الجوع, وبنقص من الأموال بتعسر الحصول عليها, أو ذهابها, ومن الأنفس: بالموت أو الشهادة في سبيل الله, وبنقص من ثمرات النخيل والأعناب والحبوب, بقلَّة ناتجها أو فسادها. وبشِّر -أيها النبي- الصابرين على هذا وأمثاله بما يفرحهم ويَسُرُّهم من حسن العاقبة في الدنيا والآخرة .التفسير الميسر
أسطر هذه الكلمات بعد الحدث الذي حصل للأبناء ( عبد الله وأنس وعبد الرحمن ) رحمهم الله تعالى عوضهم بشبابهم الجنة وأن يخلف على أهلهم بخير منهم ويربط على قلوبهم ويلهمهم الصبر والسلوان .
الصبر لغة: الحبس والكف، قال تعالى: ((واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي...)) الآية، أي احبس نفسك معهم.
واصطلاحاً: حبس النفس على فعل شيء أو تركه ابتغاء وجه الله قال تعالى: ((والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم)).
ذات يوم مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم على قبر، فرأى امرأة جالسة إلى جواره وهي تبكي على ولدها الذي مات، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقي الله واصبري). فقالت المرأة: إليك عني، فإنك لم تُصَبْ بمصيبتي.
فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم، ولم تكن المرأة تعرفه، فقال لها الناس: إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسرعت المرأة إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم تعتذر إليه، وتقول: لَمْ أعرفك. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الصبر عند الصدمة الأولى) [متفق عليه]. أي يجب على الإنسان أن يصبر في بداية المصيبة.
***
أسلم عمار بن ياسر وأبوه ياسر وأمه سمية -رضي الله عنهم- وعلم الكفار بإسلامهم، فأخذوهم جميعًا، وظلوا يعذبونهم عذابًا شديدًا، فلما مرَّ عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم، قال لهم: (صبرًا آل ياسر! فإن موعدكم الجنة)
[الحاكم]. وصبر آل ياسر، وتحملوا ما أصابهم من العذاب، حتى مات الأب والأم من شدة العذاب، واستشهد الابن بعد ذلك في إحدى المعارك؛ ليكونوا جميعًا من السابقين إلى الجنة، الضاربين أروع الأمثلة في الصبر وتحمل الأذى.
ما هو الصبر؟
الصبر هو أن يلتزم الإنسان بما يأمره الله به فيؤديه كاملا، وأن يجتنب ما ينهاه عنه، وأن يتقبل بنفس راضية ما يصيبه من مصائب وشدائد، والمسلم يتجمل بالصبر، ويتحمل المشاق، ولا يجزع، ولا يحزن لمصائب الدهر ونكباته. يقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين} [البقرة: 153].
الصبر خلق الأنبياء:
ضرب أنبياء الله -صلوات الله عليهم- أروع الأمثلة في الصبر وتحمل الأذى من أجل الدعوة إلى الله، وقد تحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاق في سبيل نشر الإسلام، وكان أهل قريش يرفضون دعوته للإسلام ويسبونه، ولا يستجيبون له، وكان جيرانه من المشركين يؤذونه ويلقون الأذى أمام بيته، فلا يقابل ذلك إلا بالصبر الجميل. يقول عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- عن صبر الرسول صلى الله عليه وسلم وتحمله للأذى: (كأني أنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي (يُشْبِه) نبيًّا من الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- ضربه قومه فأدموه (أصابوه وجرحوه)، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون) [متفق عليه].
وقد وصف الله -تعالى- كثيرًا من أنبيائه بالصبر، فقال تعالى: {وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين . وأدخلناهم في رحمتنا إنهم من الصالحين} [الأنبياء: 85-86].
وقال الله تعالى: {فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل} [الأحقاف: 35]. وأولو العزم من الرسل هم: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد -عليهم صلوات الله وسلامه-.
وقال تعالى: {ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وآذوا في سبيلي حتى أتاهم نصرنا} [الأنعام: 34].
وقال تعالى عن نبيه أيوب: {إنا وجدناه صابرًا نعم العبد إنه أواب}
[ص: 44]، فقد كان أيوب -عليه السلام- رجلا كثير المال والأهل، فابتلاه الله واختبره في ذلك كله، فأصابته الأمراض، وظل ملازمًا لفراش المرض سنوات طويلة، وفقد ماله وأولاده، ولم يبْقَ له إلا زوجته التي وقفت بجانبه صابرة محتسبة وفيةً له.
وكان أيوب مثلا عظيمًا في الصبر، فقد كان مؤمنًا بأن ذلك قضاء الله، وظل لسانه ذاكرًا، وقلبه شاكرًا، فأمره الله أن يضرب الأرض برجله ففعل، فأخرج الله له عين ماء باردة، وأمره أن يغتسل ويشرب منها، ففعل، فأذهب الله عنه الألم والأذى والمرض، وأبدله صحة وجمالا ومالا كثيرًا، وعوَّضه بأولاد صالحين جزاءً له على صبره، قال تعالى: {ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب} [ص: 43].
فضل الصبر:
أعد الله للصابرين الثواب العظيم والمغفرة الواسعة، يقول تعالى: {وبشر الصابرين . الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون . أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} [البقرة: 155-157]. ويقول: {إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب} [الزمر: 10].
ويقول صلى الله عليه وسلم: (ما أُعْطِي أحد عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر)
[متفق عليه]. ويقول صلى الله عليه وسلم: (ما يصيب المسلم من نَصَبٍ (تعب) ولا وَصَبٍ (مرض) ولا هَمّ ولا حَزَنٍ ولا أذى ولا غَمّ حتى الشوكة يُشَاكُها إلا كفَّر الله بها من خطاياه) [متفق عليه].
أنواع الصبر:
الصبر أنواع كثيرة، منها: الصبر على الطاعة، والصبر عن المعصية، والصبر على المرض، والصبر على المصائب، والصبر على الفقر، والصبر على أذى الناس.. إلخ.
الصبر على الطاعة: فالمسلم يصبر على الطاعات؛ لأنها تحتاج إلى جهد وعزيمة لتأديتها في أوقاتها على خير وجه، والمحافظة عليها. يقول الله -تعالى- لنبيه صلى الله عليه وسلم: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه} [الكهف: 28]. ويقول تعالى: {وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها} [طه: 132].
الصبر عن المعصية: المسلم يقاوم المغريات التي تزين له المعصية، وهذا يحتاج إلى صبر عظيم، وإرادة قوية، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفضل المهاجرين من هجر ما نهي الله عنه، وأفضل الجهاد من جاهد نفسه في ذات
الله -عز وجل-) [الطبراني].
الصبر على المرض: إذا صبر المسلم على مرض ابتلاه الله به، كافأه الله عليه بأحسن الجزاء، قال صلى الله عليه وسلم: (من أصيب بمصيبة في ماله أو جسده، وكتمها ولم يشْكُهَا إلى الناس، كان حقًّا على الله أن يغفر له).
[الطبراني].
وصبر المسلم على مرضه سبب في دخوله الجنة، فالسيدة أم زُفَر -رضي الله عنها- كانت مريضة بالصَّرَع، فطلبت من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله لها بالشفاء. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (إن شئتِ صبرتِ ولكِ الجنة، وإن شئتِ دعوتُ الله أن يعافيكِ). فاختارت أن تصبر على مرضها ولها الجنة في الآخرة. [متفق عليه]. ويقول تعالى في الحديث القدسي: (إذا ابتليتُ عبدي بحبيبتيه (عينيه) فصبر، عوضتُه منهما الجنة) [البخاري].
الصبر على المصائب: المسلم يصبر على ما يصيبه في ماله أو نفسه أو
أهله. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاءٌ إذا قبضتُ صَفِيهُ من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة) [البخاري]. وقد مرَّت أعرابية على بعض الناس، فوجدتهم يصرخون، فقالت: ما هذا؟ فقيل لها: مات لهم إنسان. فقالت: ما أراهم إلا من ربهم يستغيثون، وبقضائه يتبرمون (يضيقون)، وعن ثوابه يرغبون (يبتعدون).
وقال الإمام علي: إن صبرتَ جرى عليك القلم وأنتَ مأجور (لك أجر وثواب)، وإن جزعتَ جرى عليكَ القلم وأنت مأزور (عليك وزر وذنب).
الصبر على ضيق الحياة: المسلم يصبر على عسر الحياة وضيقها، ولا يشكو حاله إلا لربه، وله الأسوة والقدوة في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه أمهات المؤمنين، فالسيدة عائشة -رضي الله عنها- تحكي أنه كان يمر الشهران الكاملان دون أن يوقَد في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم نار، وكانوا يعيشون على التمر والماء. [متفق عليه].
الصبر على أذى الناس: قال صلى الله عليه وسلم: (المسلم إذا كان مخالطًا الناس ويصبر على أذاهم، خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم) [الترمذي].
الصبر المكروه:
الصبر ليس كله محمودًا، فهو في بعض الأحيان يكون مكروهًا. والصبر المكروه هو الصبر الذي يؤدي إلى الذل والهوان، أو يؤدي إلى التفريط في الدين أو تضييع بعض فرائضه، أما الصبر المحمود فهو الصبر على بلاء لا يقدر الإنسان على إزالته أو التخلص منه، أو بلاء ليس فيه ضرر بالشرع. أما إذا كان المسلم قادرًا على دفعه أو رفعه أو كان فيه ضرر بالشرع فصبره حينئذ لا يكون مطلوبًا.
قال الله -تعالى-: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرًا} [النساء: 97].
الأمور التي تعين على الصبر:
* معرفة أن الحياة الدنيا زائلة لا دوام لها.
* معرفة الإنسـان أنه ملْكُ لله -تعالى- أولا وأخيرًا، وأن مصيره إلى الله تعالى.
* التيقن بحسن الجزاء عند الله، وأن الصابرين ينتظرهم أحسن الجزاء من الله، قال تعالى: {ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} [النحل: 96].
* اليقين بأن نصر الله قريب، وأن فرجه آتٍ، وأن بعد الضيق سعة، وأن بعد العسر يسرًا، وأن ما وعد الله به المبتلِين من الجزاء لابد أن يتحقق. قال تعالى: {فإن مع العسر يسرًا. إن مع العسر يسرًا} [الشرح: 5-6].
* الاستعانة بالله واللجوء إلى حماه، فيشعر المسلم الصابر بأن الله معه، وأنه في رعايته. قال الله -تعالى-: {واصبروا إن الله مع الصابرين} [الأنفال: 46].
* الاقتداء بأهل الصبر والعزائم، والتأمل في سير الصابرين وما لاقوه من ألوان البلاء والشدائد، وبخاصة أنبياء الله ورسله.
* الإيمان بقدر الله، وأن قضاءه نافذ لا محالة، وأن ما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه. قال تعالى: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله
يسير . لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم} [الحديد: 22-23].
الابتعاد عن الاستعجال والغضب وشدة الحزن والضيق واليأس من رحمة الله؛ لأن كل ذلك يضعف من الصبر والمثابرة.
قال ابن القيم رحمه الله: (فالأولان صبر على ما يتعلق بالكسب، والثالث صبر على ما لا كسب للعبد فيه.
وسمعتُ شيخ الإسلام ابن تيمية ـ قدَّس الله روحه ـ يقول: كان صبر يوسف عن مطاوعة امرأة العزيز على شأنها أكمل من صبره على إلقاء إخوته له في الجب، وبيعه، وتفريقهم بينه وبين أبيه، فإن هذه أمور جرت عليه بغير اختياره، ولا كسب له فيها، ليس للعبد فيها حيلة غير الصبر، أما صبره عن المعصية، فصبر اختيار ورضا، ومحاربة النفس، ولا سيما مع الأسباب التي تقوى معها دواعي الموافقة، فإنه كان شاباً، وداعية الشباب إليها قوية، وعَزَباً ليس له ما يعوضه ويبرد شهوته، وغريباً والغريب لا يستحي في بلد غربته مما يستحي منه مَنْ بين أصحابه ومعارفه وأهله، ومملوكاً والمملوك أيضاً ليس له وازع كوازع الحر، والمرأة جميلة، وذات منصب، وهي سيدته، وقد غاب الرقيب، وهي الداعية له إلى نفسها، والحريصة على ذلك أشد الحرص، ومع ذلك توعدته إن لم يفعل بالسجن والصغار، ومع هذه الدواعي كلها صبر اختياراً وإيثاراً لما عند الله، وأين هذا من صبره في الجب على ما ليس من كسبه؟!
وكان يقول: الصبر على أداء الطاعات أكمل من الصبر على اجتناب المحرَّمات وأفضل، فإن مصلحة فعل الطاعة أحب إلى الشارع من مصلحة ترك المعصية، ومفسدة عدم الطاعة أبغض إليه وأكره من مفسدة وجود المعصية).1
وما قاله شيخ الإسلام هو الحق، فقد قرن الله بين الصبر والإيمان والعمل، حيث قال في سورة العصر: "والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر"، ولهذا قال الشافعي رحمه الله: لو لم ينزل من القرآن إلا هذه السورة لكانت كافية وحجة على الأمة.
والدليل على ذلك أن كثيراً من الخلق يسهل عليهم الصبر على المصائب والبلايا وعن المعاصي، ولكن قليل منهم من يصبر على طاعة الله عز وجل، بل من الناس من يصبر على المعاصي ويتحمل من أجلها ما لا يتحمل معشار معشاره على طاعة الله عز وجل.
قال المزني رحمه الله: (سمعتُ الشافعي رحمه الله يقول: رأيتُ بالمدينة ـ المنورة ـ أربع عجائب، رأيتُ جَدَّة بنت إحدى وعشرين سنة، ورأيتُ رجلاً فلسه القاضي في مدين نَوَى، ورأيتُ شيخاً قد أتى عليه تسعون سنة، يدور نهاره أجمع حافياً راجلاً على القينات يعلمهن الغناء، فإذا أتى الصلاة صلى قاعداً، ونسيتُ الرابعة).2
وشاهدنا في قوله: "ورأيتُ شيخاً قد أتى عليه تسعون.." إلخ.
وما تعجب منه الشافعي، وحق له أن يعد ذلك من العجائب، مُشاهَد، فإنك تجد البائع واقفاً في سوقه من الصباح إلى المساء لا يفتر ولا يقعد، وكذلك مشجع الكرة يقف على رجل واحدة ويصيح بملء فيه ويدخل الملعب قبل ثلاث ساعات من موعد المباراة، وتجد الفنان يقيم الحفلة إلى مشارف الصبح، والمصلي يخرج من المسجد يقف يتكلم في أمور الدنيا الساعة والساعتين، وغيرُهم كثير، فإذا استغرقت الصلاة ربع ساعة، أواطمأن الإمامُ في ركوعه وسجوده قليلاً، قامت الدنيا ولم تقعد، وتضجَّر الناسُ، واشتكوا، ومنهم من يشكو الإمام إلى المسؤولين وإلى لجنة المسجد، ورفع في وجه الإمام كلمة الحق التي يريدون بها باطلاً: "من أمَّ الناس فليخفف فإن فيهم الضعيف.." الحديث.
وكأن الصحابة رضوان الله عليهم الذين كان يؤمهم الرسول صلى الله عليه وسلم في المغرب أحياناً بالأعراف والصافات، والذين أمهم أبوبكر الصديق مرة بالبقرة كلها في صلاة الصبح، والذين كثيراً ما كان يؤمهم عمر في الصبح بيوسف، وهود، والنحل، ليس فيهم مريض ولا ضعيف؟
وتثريب الرسول صلى الله عليه وسلم على معاذ رضي الله عنه لأنه كان يصلي معه العشاء ثم يذهب ليؤم قومه بعد ذلك، وقد أمهم يوماً بالبقرة في الركعة الأولى من العشاء، وبالقمر في الثانية، وعندما خرج أعرابي من صلاته نال منه معاذ بأنه منافق! ومن أجل ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال.
أين هذا كله مما عليه الأئمة الآن؟! فتبيَّن أن احتجاج البعض بهذا الحديث ليس في موضع النزاع، فمن فعل كما فعل معاذ يكون فتاناً حقاً، ولكن مَنْ مِن الأئمة الآن يستطيع أن يفعل ذلك ولو كان فذاً؟!
أعجب من هؤلاء جميعاً من يحيي ليله بالرقص، والتواجد، والضرب بالأقدام على الأرض، فإذا حان وقت صلاة الصبح تفرَّق جلهم، ومن بقي صُلِّيَ بهم بقصار المفصل من غير اطمئنان ولا خشوع.
لقد صاغ العلامة ابن القيم رحمه الله حال هذه الطائفة ـ الصوفية ـ التي أسِّست على الكسل كما قال الشافعي، شعراً، حيث ذكر جدهم واجتهادهم عند السماع، والرقص، والتواجد، الذي هو دين عباد العجل، عندما اتخذ لهم السامري عجلاً جسداً له خوار، فقاموا حواليه يرقصون ويتواجدون حتى يقع أحدُهم مغشياً عليه، فالرقص، والتواجد، والسماع الصوفي ليس من الذكر الذي شرعه الله لعباده على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، فقد كان هو وأصحابه يذكرون الله وكأنما على رؤوسهم الطير من الوقار والسكينة، مقارناً له بصدودهم عن سماع آي القرآن والعلم، وعن الخشوع والاطمئنان في الصلاة التي هي من أجلِّ الأعمال الجسمانية البدنية وهي المتكررة في كل يوم وليلة طيلة الحياة . قال وهببن منبه . كان في بني إسرائيل عابد . فلبث سبعا لم يطعم هو عياله شيئا . فقال له امرأته : لو خرجت فطلبت لنا شيئا فخرج فوقف مع العمال . فاستؤجر العمال وصرف الله عنه الرزق . ولم يستأجره أحد . فقال : والله لأعملن اليوم مع ربي فجاء إلى ساحل البحر فاغسل ولم يزل راكعا وساجدا حتى أمسى وأتى أهله . فقالت امرأته ماذا صنعت ؟ قال : قد عملت مع أستاذ لي . وقد وعدني أن يعطيني . ثم غدا إلى السوق فوقف مع العمال ، فاستؤجر العمال ، وصرف الله عنه الرزق ، ولم يستأجره أحد . فقال : والله لأعملن اليوم مع بري فجاء إلى ساحل البحر فاغتسل ، ولم يزل راكعا وساجدا حتى إذا أمسى أقبل إلى منزله ، فقالت له امرأته : ماذا صنعت ؟ قال : إن أستاذي قد وعدني أن يجمع لي أجرتي ، فخاصمته امرأته وبرزت عليه ، ولبت يتقلب ظهرا لبطن، وبطن لظهر ، وصبيانه يتضاغون جوعا ، ثم غدا إلى السوق فاستؤجر العمال ، وصرف الله عنه الرزق ولم يستأجره أحد فقال : والله لأعملن اليوم مع ربي ، فجاء إلى ساحل البحر فاغتسل ، ولم يزل راكعا وساجدا حتى إذا أمسى . قال : إلى أين أمضي ؟ وأنا قد تركت العيال يتضاغون من الجوع ! ثم تحامل على جهد منه . فلما قرب من باب داره سمع ضحكا وسرورا ، وشم رائحة قديدا وشواء فأخذ على بصره ، فقال : هل أنا نائم أميقظان ! تركت أقواما يتضاغون جوعا ، وأشم رائحة قديد وشواء وأسمع ضحكا وسرورا ! ثم دنا من باب داره فطرق الباب فخرجت امرأته حاسرة قد حسرت عن ذراعيها ، وهي تضحك في وجهه ، ثم قالت : يا فلان قد جاءنا رسول أستاذك ، فأتانا بدنانير وكسوة وودك وكسوة ودقيق ، وقال إذا جاء فلان فأقرؤه السلام ، وقولوا له : إن أستاذك يقول لك : قد رأيت عملك وقد رضيته ، فإن أنت زدتني في العمل زدتك في الأجرة . قال الشاعر :
عليك إذا ضاقت أمورك والتوت ....... بصبر فإن الضيق مفتاحه الصبر
ولا تشكون إلا إلى الله وحده ........... فمن عنده تأتي الفوائد والنصر
فرج اللـه قريب يقول الإمام الشافعي رحمه الله :
وَلَرُبَّ نَازِلَةٍ يَضِيقُ لَهَا الْفَتَى ........ذرعاً وَعِنْدَ اللَّهِ مِنْهَا الْمَخْرَجُ
ضَاقَتْ فَلَمّا اسْتَحْكَمَتْ حَلَقَاتُها .......فُرِجَتْ، وَكُنْتُ أظُنُّهَا لا تُفْرَجُ
وعن ابن عباس رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : ( ياغلام ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن ؟ أحفظ الله يحفظك أحفظ الله تجده أمامك ، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة ، إذا سألت فأسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، جف القلم بما هو كائن فلو اجتمع الخلق على أن يعطوك شيئا لم يكتبه الله لك ، لم يقدروا عليه أو على أن يمنعوك شيئا كتبه الله لك . لم يقدروا عليه ، فاعمل لله بالرضي في اليقين . وأعلم أن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا وأن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب ، وأن مع العسر يسرا )
وقال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أوصني . قال له ( اتق الله حيث كنت . قال زدني . قال : اتبع السيئة الحسنة ، قال : زدني قال : خالط الناس بخلق حسن )
وصلى الله على سيد الأولين والآخرين محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين . وسلم تسليما كثرا إلى يوم الدين . آميـــــن ،،
الأحد، ١٥ مارس ٢٠٠٩
اليقيـــن
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتدي ومن يظلل فلن تجد له وليا مرشدا .. ثم الصلاة والسلام ألاتمان على من أرسله الله رحمة للعالمين ومنقذا من أراد الله له الهداية من الضلالة إلى الهدى ودين الحق بإذنه وإلى اليقين الذي لا يخالطه شك . أما بعد . فإن اليقين كما جاء في كتب اللغة معناه في مادة يقن ( يقن ييقن وأيقن وتيقن واستيقن الأمر وبه وعليه وتحققه , اليقين إزاحة الشك الذي لا يسمع شيئا إلا أيقن به رجل يقن بالشيء مولع به اليقين والذي لا يسمع إلا أيقن به اليقين إزاحة الشك وتحقيق الأمر ) ا . هـ .. وفي القرآن
{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ }
واستمِرَّ في عبادة ربك مدة حياتك حتى يأتيك اليقين, وهو الموت. وامتثل رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر ربه, فلم يزل دائبًا في عبادة الله, حتى أتاه اليقين من ربه ..ت..م
وهذا بخلاف ما سمعنا عن بعض الفرق التي فسرت هذه الآية بان يعبد ربه العالم فيهم حتى يقال إنه من أصحاب اليقين وهنا تسقط عنه التكاليف ويصبح منها في حل كما صوره لهم الشيطان عياذا بالله من إتباع الهوى ..
{إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ }
إن هذا الذي قصصناه عليك -أيها الرسول- لهو حق اليقين الذي لا مرية فيه
وإنه لحق ثابت ويقين لا شك فيه..ت..م.
{حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ }
حتى جاءنا الموت, ونحن في تلك الضلالات والمنكرات..ت..م.
{كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ }
ما هكذا ينبغي أن يلهيكم التكاثر بالأموال, لو تعلمون حق العلم لانزجرتم, ولبادرتم إلى إنقاذ أنفسكم من الهلاك..ت..م.
{ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ }
ثم لتبصرُنَّها دون ريب..ت..م,
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله عن منزلة اليقين : هو من الإيمان بمنزلة الروح من الجسد وبه تفاصيل العارفين وفيه تنافس المتنافسون وإليه شمر العاملون وعمل القوم إنما كان عليه إشاراتهم كلها إليه وإذا تزوج الصبر باليقين ولد بينهما حصول الإمامة في الدين قال الله تعال{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ }السجدة24ى وخص سبحانه أهل اليقين بالانتفاع بالآيات والبراهين فقال وهو أصدق القائلين {والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ }{أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }البقرة4 وأخبر عن أهل النار أنهم لم يكونوا من أهل اليقين فقال تعلى : {وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ }الجاثية32 فاليقين روح أعمال القلوب التي هي روح أعمال الجوارح وهو حقيقة الصديقين وهو قطب هذا الشأن الذي عليه مداره .
التوكل ثمرة اليقين
والتوكل ثمرته ونتيجته ولهذا حسن اقتران الهدى به قال تعالى : {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ }النمل79 فالحق هو اليقين ومتى وصل اليقين إلى القلب امتلأ {وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ }إبراهيم12 واخبر عن أهل النار أنهم لم يكونوا من أهل اليقين فقال تعالى :
{وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ }الجاثية32 فاليقين روح أعمال القلوب التي هي روح أعمال الجوارح وهو حقيقة الصديقية وهو قطب هذا الشأن الذي عليه مداره .
التوكل ثمرة اليقين
والتوكل ثمرته ونتيجته ولهذا حسن اقتران الهدى به قال تعالى : {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ }النمل79
فالحق هو اليقين .
ومتى وصل اليقين إلى القلب امتلأ نورا وإشراق وانتفى عنه كل ريب وشك وسخط وهم وغم فامتلأ محبة لله وخوفا منه ورضا به وشرا له وتوكلا عليه وإنابة إليه فهو مادة جميع المقامات والحامل لها وقالت رسل الله {وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ }إبراهيم12
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين ويهلك آخرها بالبخل والأمل ) أخرجه أحمد في الزهد وحسنه الألباني
وقال صلى الله عليه وسلم ( نجا أول هذه الأمة باليقين والزهد ويهلك آخرها بالبخل والأمل ) رواه ابن أبي الدنيا وحسنه الألباني
الرسول صلى الله عليه وسلم يسأل ربه اليقين
فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه ( اللهم اقسم لنا ن خشيتك ما تحول بيننا وبين معاصيك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا ما أحييتنا واجعله الوارث من واجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا من لا يرحمنا ) أخرجه الترمذي وحسنه الألباني
رجحان العمل وحصول الرضا باليقين
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : يا حبذا نوم الأكياس وإفطارهم كيف يعيبون سهر الحمقى وصيامهم ؟! ولمثقال ذرة من بر من صاحب تقوى ويقين أفضل وأرجح وأعظم من أمثال الجبال عبادة من المغترين .. أخرجه أحمد .
وصح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال : إن الروح والفرج في اليقين والرضا وإن الغم والحزن من الشك والسخط .
وكان عطاء الخرساني لا يقوم من مجلسه حتى يقول : اللهم هب لنا يقينا بك حتى تهون علينا مصيبات الدنيا وحتى نعلم أنه لا يصيبنا إلا ما كتبت علينا ولا يأتينا من هذا الرزق إلا ما قسمت لنا به
عباد الرحمن ، اعلموا أنكم تعملون في أيام قصار لأيام طوال في دار زوال لدار مقام ودار حز : وقال بلال بن سعيد ونصب لدار نعيم وخلد ومن لم يعمل على اليقين فلا يغتر أي أن الأفعال تدل على ضعف اليقين وقال رحمه الله : كانا قوم لا يعقلون وكانا قوم لا يوقنون ، وقال رحمه الله : عباد الرحمن أما ما وكلكم الله به فتضيعونه وأما ما تكفل لكم به فتطلبونه ، ما هكذا بعث الله عباده الموقنين ذوو عقول في طلب الدنيا وبله عما خلقتم له ؟ فكيف ترجون رحمة الله بما تؤدون من طاعة الله عز وجل فكذلك أشفقوا من عذاب الله بما تنتهكون من معاصي الله عز وجل واعلم –رعاك الله أنه على قدر قربك من التقوى تدرك من اليقين ، ولا يسكن اليقين قلبا فيه سكون إلى غير الله تعالى,
أمثلة عطرة على علو الهمة في اليقين
إن من يقلب صفحات التاريخ يجده يزخر بأمثلة عطرة على علو الهمة في اليقين والثقة بالله ومنها خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام كان خلقه اليقين فكل مواقفه عليه السلام تدل على ذلك ففي محاجته لقومه كان خلقه اليقين
{وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ }{وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }{الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ }
نعم كيف يخاف من عنده !! هذا اليقين . ويتجلى يقينه وتوكله وثقته بربه حينما ألقوه في النار وجاءه جبريل يقول : ألك حاجة ؟ فيجيبه : أما إليك فلا , ثم يردد نشيده العلوي( حسبنا الله ونعم الوكيل ) إن كل مواقف الخليل ملؤه اليقين ألقى طفله الرضيع وزوجه في البرية هم بذبح ولده فصلوات الله عليه وسلامه .
الرسول صلى الله عليه وسلم القمة في علو الهم
ومن مثل الرسول صلى الله عليه وسلم ينما يشتد عليه الكرب يبدو يقينه مثالا يحتذى ولا كرب أشد من ساعة الهجرة
{إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }التوبة40 حين يقول له الصديق : لو أن أحدهم نظر تحت قدمه لأبصرنا والرسول صلى الله عليه وسلم يهدي من روعه بقوله ( يا بأ بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهم ) ثم أنظر إلى يقينه بربه بعد أن جرى له ما يثبت لذكره الوالدان في رحلته إلى الطائف وهو يقول لملك الجبال الذي عرض عليه الانتقام من المشركين ( بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئا )
صيحة عمير بن الحمام .. منارة من منارات اليقين
فإنه لما سمع الرسول صلى الله عليه وسلم يقول : قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض , قال : بخ بخ قال له الرسول صلى الله عليه وسلم ( ما حملك على قولك بخ بخ ؟ قال لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها . قال صلى الله عليه وسلم : فإنك من أهلها ) فاخرج تمرات كن في جيبه فجعل يأكل منهن ثم قال : لئن حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة فرمى بما كن معه ثم قاتل العدو حتى قتل رحمه الله وألحقنا به في جنات النعيم . ورزقنا يقينا لا يتزحزح وقرة عين لا تنفد اللهم آمين .. ا-هـ
من هناء يتبين لك عزيزي القارئ إن اليقين كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : حقيقة اليقين الإيمان كله والصبر نصف الإيمان ، ولو دفع اليقين في القلب كما ينبغي لا انبعثت الجوارح كلها . وأشهد الله الذي خلق كل شيء وله ملك السموات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى وإني موقن بأن الله حق وإن النبيين حق وإن القرآن حق وإن الجنة حق والنار حق والموت حق والحساب حق والقيامة حق و ومجازات كل بعمله والصراط حق وكل ما تضمنه القرآن من ألفه إلى يائه حق لا ريب فيه أتعبد الله بذلك وأشهد الله وخلقه على ذلك رجاء أن تنفعني هذه الشهادة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم وإن كان ليس هناك مني قلب سليم إلا إني تائب لله من جميع ذنوبي راجيا من الله قبول توبي والعفو عني يوم أكون رهين عملي الذي قدمت . وإني أستغفر الله وأتوب إليه ولا حول ولا قوة إلا بالله .. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ..،،،