{ قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }الحجرات1
يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشريعته لا يهزأ قوم مؤمنون من قوم مؤمنين؛ عسى أن يكون المهزوء به منهم خيرًا من الهازئين, ولا يهزأ نساء مؤمنات من نساء مؤمنات; عسى أن يكون المهزوء به منهنَّ خيرًا من الهازئات, ولا يَعِبْ بعضكم بعضًا, ولا يَدْعُ بعضكم بعضًا بما يكره من الألقاب, بئس الصفة والاسم الفسوق, وهو السخرية واللمز والتنابز بالألقاب, بعد ما دخلتم في الإسلام وعقلتموه, ومن لم يتب من هذه السخرية واللمز والتنابز والفسوق فأولئك هم الذين ظلموا أنفسهم بارتكاب هذه المناهي. التفسير الميسر .
الغيبة : هي ذكرك أخاك بما يكره في غيبته
النميمة : هي نقل الكلام لقصد الإفساد بين الناس وهى سبب في تقطيع الأرحام والعداوة والشحناء بين الناس ولا حول ولا قوة إلا بالله
وقد أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يحدد مفهوم الغيبة لأصحابه على طريقته في التعليم بالسؤال والجواب، فقال لهم: "أتدرون ما الغيبة ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ذكرك أخاك بما يكره. قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته".
الهمز واللمز والغيبة والنميمة أخلاق ملا خلق له قال رسول الله: ( إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار! ) صحيح مسلم
وقد قيل : إن كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب فهنيئاً لمن كف لسانه إلا من خير، فإنك بذلك تغلب الشيطان، ومن كثر كلامه كثر سقطة، ومن كثر سقطة كثرت ذنوبه {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18
وقال أكثم بن صيفي لبنيه: إياكم والنميمة ! فإنها نار محرقة، وإن النمام ليعمل في ساعة مالا يعمل الساحر في شهر.
أخذه بعض الشعراء فقال:
إن النميمة نار ويك محرقة *** ففر عنها وجانب من تعاطاها
ولذلك قيل: نار الحقد لا تخبو. وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: [ لا يدخل الجنة نمام ]. وقال: [ ذو الوجهين لا يكون عند الله وجيها ]. وقال عليه الصلاة والسلام: [ من شر الناس ذو الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه ].
وقال كعب الأحبار: أصاب بني إسرائيل قحط، فخرج بهم موسى عليه السلام ثلاث مرات يستسقون فلم يسقوا فقال موسى: [ إلهي عبادك ] فأوحى الله إليه: [ إني لا أستجيب لك ولا لمن معك لان فيهم رجلا نماما، قد أصر على النميمة ].
فقال موسى: [ يا رب من هو حتى نخرجه من بيننا ] ؟ فقال: [ يا موسى أنهاك عن النميمة وأكون نماما ] قال: فتابوا بأ جمعهم، فسقوا. والنميمة من الكبائر، لا خلاف في ذلك، حتى قال الفضيل بن عياض: ثلاث تهد العمل الصالح ويفطرون الصائم، وينقضن الوضوء: الغيبة، والنميمة، والكذب. وقال قتادة : ذكر لنا أنّ عذاب القبر من ثلاثة : ثلثٌ من البول . وثلثٌ من الغيبة ، وثلثٌ من النميمة . وسبب نزول هذه الآية ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم لما وصف مساءَلة منكر ونكير وما يكون من جواب الميت قال عمر : يا رسول الله أيكون معي عقلي : ؟ قال : « نعم » قال . كُفيت إذن ، فأنزل الله تعالى هذه الآية .
قوله عز وجل : { ومثل كلمة خبيثة } فيها قولان : أحدهما : أنها الكفر . الثاني : أنها الكافر نفسه . { كشجرة خبيثةٍ } فيها ثلاثة أقاويل : أحدها : أنها شجرة الحنظل ، قاله أنس بن مالك . الثاني : أنها شجرة لم تخلف ، قاله ابن عباس . الثالث : أنها الكشوت . { اجتثت من فوق الأرض } أي اقتلعت من أصلها ، ومنه قول لقيط :
هو الجلاء الذي يجتث أصلكم ... فمن رأى مِثل ذا يوماً ومَنْ سمعا
{ ما لها من قرار } فيه وجهان : أحدهما : ما لها من أصل .
الثاني : ما لها من ثبات . وتشبيه الكلمة الخبيثة بهذه الشجرة التي ليس لها أصل يبقى ، ولا ثمر يجتنى أن الكافر ليس له عمل في الأرض يبقى ، ولا ذكر في السماء يرقى . ولابد من التنديد بأصحاب الصفات التالية كثرة الحلف بالكذب، المهانة، الهمزة النميمة، الغيبة، البخل، الاعتداء، غشيان الذنوب، الغلظة والجفاء، الشهرة بالشر .
كذلك إنتقاص الناس والنظر إليهم بعين الازدراء والاستصغار مما يجعل الناس يقتل بعضهم بعضا وينهب بعضهم بعضا وتصبح الحياة فوضوية لاستقرار لها ولا هدوء فتجنب كل هذه الأخلاق المشينة لا يقدم عليها من سما بخلقه عن سفاسف الأمور وترفع بنفسه عن السقوط في أوحال الرذيلة من الدسائس وإشعال الفتن بين المسلمين . وإني والله لأعجب من كثير من الناس ممن نصبوا أنفسهم للحكم على الآخرين ومن جرأتهم في تسليط ألسنتهم القذرة في الوقيعة في أعراض الآخرين وخاصة إذا كان ذلك الآخر ممن ينسب إلى العلم أو رجالات الحسبة وإني لأوعز ذلك إلى مرض في قلوبهم .
وقيل : إن الغيبة هي شهوة الهدم للآخرين، هي شهوة النهش في أعراض الناس وكراماتهم وحرماتهم وهم غائبون. إنها دليل على الخسة والجبن، لأنها طعن من الخلف، وهي مظهر من مظاهر السلبية، فإن الاغتياب جهد من لا جهد له. وهي معول من معاول الهدم، لأن هواة الغيبة، قلما يسلم من ألسنتهم أحد بغير طعن ولا تجريح.
وعند البخاري من حديث أَنَسٍ رضي الله عنه أن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا ، فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا قَالَ : تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ ) وتفسيره أَن يمنَعه من الظلم إِن وجده ظالِماً ، وإِن كان مظلوماً أَعانه على ظالمه ،
قال ابن اسحاق : ثم أن قريشاً اشتد أمرهم للشقاء الذي أصابهم في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أسلم معه منهم ، فأغروا برسول الله صلى الله عليه وسلم سفائهم فكذبوه وآذوه ، ورموه بالشعر والسحر والكهانة والجنون .. مر بهم صلى الله عليه وسلم طائفاً بالبيت فغمزوه ببعض القول فعرف ذلك في وجهه صلى الله عليه وسلم ثم مر بهم ثانية فغمزوه ، ثم الثالثة بمثلها فوقف ثم قال : أتسمعون يامعشر قريش ، أما والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح ، فأخذت القوم كلمته حتى ما منهم رجل إلا كأنما على رأسه طائر واقع (26) .
وقد وصف الله همزهم وغمزهم به صلى الله عليه وسلم بقوله سبحانه - : (( وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون )) سورة القلم ، آية 51 .
وهكذا الدعاة إلى شرعه وسنته ، يلاقون الاستهزاء والسخرية وتلك سنة باقية إلى يوم الدين .
ولهذا فإن عقبة الاستهزاء تصدم بعض الدعاة وآخر تفت في عضده وآخر تقهقره وتجنبه وآخر لا تزيده إلا صلابة في الحق وإصراراً على الاستمرار في منهج الإصلاح ومقاومة الباطل وهذا النمط الأخير هو الذي تحتاجه الأمة ، وهو زاد الدعوة إلى دين الله الحق لأن صاحبه ينظر إلى أقوال الأنبياء والرسل - كما مرت بك آنفاً - فيعلم ويستيقن أنه وارث لتركتهم وهم لم يخلفوا للناس إلا دعوة الخير والتوحيد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجتثاث الفساد من الأرض ، ولهذا لا يعبأ بهذا الاستهزاء ولو كدر خاطره فإنه من الأذى الذي لا بد منه في سبيل الدعوة ، ولهذا فقد ربح بيعه لا يقيل ولا يستقيل .
الفصل الرابع .صور من مظاهر الاستهزاء
تتنوع مظاهر الاستهزاء حسب ما يصدر من المستهزئ أو الساخر فقد تكون السخرية بالكلام ، وهذا النوع أكثر من أنواع الاستهزاء قديماً وحديثاً . وقد تكون السخرية بالإشارة غمزاً بالعين ، أو إخراج اللسان وقد تكون بحركة اليد أ . هـ
ومن الوثائق الدفاعية عن علما السلفية ما يلي : الله سبحانه يقول في كتابه العظيم وهو المرجع: ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ) [النساء:59] [ ثم قال كلاماً غير واضح] فالقرآن فيه الكفاية، والسنة فيها، ولهذا أمر الله بالرد إليهما، ففيهما الكفاية والهداية: ( وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ) .
فلا يجوز التعصب لا لزيد ولا لعمرو، يجب على طلبة العلم وعلى العلماء وعلى العامة المؤمنين الإنصاف لأهل الحق، وألا ينفّروا من فلان ولا من فلان، عليهم أن ينفّروا مما حرم الله، ينفّروا من المعاصي عليهم أن ينفروا من المعاصي ويحذروا منها، من الزنا ومن عقوق الوالدين ومن الربا ومن الغيبة ومن النميمة ، ومن ترك الصلاة، ومن ترك صلاة الجماعة إلى غيرها من المعاصي.
الفرق بين النميمة وبين النصيحة لله ولرسوله
[ المسألة الثالثة: الفرق بين النميمة وبين النصيحة لله ولرسوله ].
المقصود: هو قول عوف بن مالك حين قال: لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب يخبره، نقول: هذه ليست من الغيبة والنميمة، وإنما هذه نصيحة، فالذي يقع في المعصية مرتكباً لها ويعرف أنه قاصد لذلك فيبلغ أمره إلى ولي الأمر؛ حتى يردعه ويمنعه، ويقيم عليه الحد الذي يستحقه، ولا يكون ذلك من باب النميمة وإنما هي نصيحة. فذهب عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره، فوجد القرآن قد سبقه {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ }التوبة65 فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ارتحل وركب ناقته، فقال: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب، ونتحدث حديث الركب نقطع به عنا الطريق (3)، قال ابن عمر: كأني أنظر إليه متعلقا بنسعة ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن الحجارة لتنكب رجليه .
وبالجملة : فإن الغيبة والنميمة خلقان مذمومان ومعولان هدامان لايستعملهما إلا أراذل الناس أما كرامهم فهم يترفعون بأنفسهم عن ذلك الخلق الدنيء .والله المستعان وهو حسبي ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله عليه توكلت وهو رب العرش العظيم .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه الأخيار مادام الليل والنهار ..،،،
الأربعاء، ١٥ أبريل ٢٠٠٩
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق