الخميس، ٨ ذو القعدة ١٤٢٩ هـ

قصــة الأبرص والأقرع والأعى

عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن ثلاثة في بني إسرائيل أبرص وأقرع وأعمى ، فأراد الله أن يبتليهم ، فبعث إليهم ملكا ، فأتى الأبرص ، فقال : أي شيء أحب إليك ؟ قال : لون حسن ، وجلد حسن ، ويذهب عني الذي قد قذرني الناس ، قال : فمسحه فذهب عنه قَذَرُه ، وأعطي لونا حسنا وجلدا حسنا ، قال : فأي المال أحب إليك ؟ قال : الإبل ، قال : فأعطي ناقة عُشَراء ، فقال : بارك الله لك فيها ، قال : فأتى الأقرع فقال : أي شيء أحب إليك ؟ قال شعر حسن ، ويذهب عني هذا الذي قد قَذِرَني الناس ، قال : فمسحه فذهب عنه ، وأعطي شعرا حسنا ، قال : فأي المال أحب إليك ؟ قال : البقر ، فأعطي بقرة حاملا ، فقال : بارك الله لك فيها ،قال : فأتى الأعمى ، فقال : أي شيء أحب إليك ، قال : أن يرد الله إلي بصري فأبصر به الناس ، قال : فمسحه فرد الله إليه بصره ، قال : فأي المال أحب إليك ، قال : الغنم ، فأعطي شاة والدا ، فأنتج هذان وولد هذا ، قال : فكان لهذا واد من الإبل ، ولهذا واد من البقر ، ولهذا واد من الغنم ، قال : ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته ، فقال : رجل مسكين قد انقطعت بي الحبال في سفري ، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك ، أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال ، بعيرا أتَبَلَّغُ عليه في سفري ، فقال : الحقوق كثيرة : فقال له : كأني أعرفك ، ألم تكن أبرص يَقْذَرُك الناس ؟! فقيرا فأعطاك الله ؟! فقال : إنما ورثت هذا المال كابرا عن كابر ، فقال : إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت ، قال : وأتى الأقرع في صورته ، فقال له مثل ما قال لهذا ، ورد عليه مثل ما رد على هذا ، فقال : إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت ، قال : وأتى الأعمى في صورته وهيئته ، فقال : رجل مسكين وابن سبيل انقطعت بي الحبال في سفري ، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك ، أسألك بالذي رد عليك بصرك ، شاة أتبلغ بها في سفري ، فقال : قد كنت أعمى فرد الله إلي بصري ، فخذ ما شئت ودع ما شئت ، فوالله لا أَجْهَدُكَ اليوم شيئا أخذته لله ، فقال : أمسك مالك ، فإنما ابتليتم ، فقد رُضِيَ عنك ، وسُخِطَ على صاحبيك ) متفق عليه
قلــت:
هذه قصة وقعت في بني إسرآيل وقد ابتلاهم الله تعالى وأختبرهم فأرسل إليهم م ملكا في صورة إنسان وناقشهم فيما يحبون فأول ما طلبوا إزالة العاهات التي كانوا يعانون منها وهي البرص والقرع والعمى فشفاهم الله جميعا بواسطة ذلك الملك ثم خيرهم في المال فكل أختار نوع غير الذي أختاه صاحبه وكل واحد منهم لا يعلم عن صاحبه شيء ومن الطبيعي إن الإنسان إذا أعطي شكر غير إن هؤلا لم ينجوا من الجحود ونكران النعمة إلا واحد الذي هو الأعمى الذي تذكر مكان يعانيه من الفقر والعمى . فأجاب الملك إلى تحقيق طلبه بل أنه طلب من الملك أخذا ما شاء وترك ما شاء قائلا له : قد كنت أعمى فرد الله إلي بصري ، فخذ ما شئت ودع ما شئت فو الله لا جهدك اليوم شيا أخذته لله أنظر يارعاك الله فالموفق من وفقه الله ثم انظر إلى صاحبيه كيف كذبا فصيرهم الله إلى ما كانا عليه من الفقر والعاهة التي كان الناس يقذ رونهم بها {طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ }محمد21وأن يقولوا قولا موافقًا للشرع. فإذا وجب القتال وجاء أمر الله بِفَرْضه كره هؤلاء المنافقون ذلك, فلو صدقوا الله في الإيمان والعمل لكان خيرًا لهم من المعصية والمخالفة. ت / م
إن هذه القصة تبين بجلا إن الابتلاء سنة جارية وقدر نافذ يبتلي الله به من يشاء من عباده بالسراء والضراء والخير والشر فتنة وامتحان كما قال تعالى : {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ }الأنبياء35
وليميز بين الصادق والكاذب والصابر والجاهد ما كثر الجاحدين في كل زمان ومكان وما كثر من يرزقه مالا ويتعالى ويتكبر على عباد الله وينظر إلى الآخرين بعين الاستصغار والازدراء . ولسان حاله يقول لون أن فلانا رجلا ناجحا لكان عنده من المال مثل الذي عندي قال الله تعالى مخبرا عن قارون : {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ }القصص78
من العلم والقدرة, أولم يعلم قارون أن الله قد أهلك مِن قبله من الأمم مَن هو أشد منه بطشًا, وأكثر جمعًا للأموال؟ ولا يُسأل عن ذنوبهم المجرمون; لعلم الله تعالى بها, إنما يُسْألون سؤال توبيخ
والأبرص والأقرع قال كل منهما إنما ورثت هذا المال كابرا عن كابر رغم تذكير ذلك الرسول لهما بما كانا عليه من الفقر والقذر الذي كانا بهما فتجاهلاه وظنوا إن الله لا يعلم ما انطوت عليه خبايا نفسيهما من خبث ونكران للفضل وما هي إلا دعوة من ملك مكلف بتوصيل الرسالة إليهما فعادا كما كانا من الفقر والتشويه نسأل الله العافية والسلامة .
{يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ }إبراهيم27

ليست هناك تعليقات: