الأحد، ٢١ محرم ١٤٣٠ هـ

حياتك ثلاثة أيام

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }آل عمران102
المتقون سادة والعلماء قادة ومجالستهم ريادة ، قال عيسى عليه السلام الدهر ثلاثة أيام أمس خلت عظته واليوم الذي أنت فيه لك وغدا لا تدري ما يكون.
حدثني أبو محمد السمسار القاسم بن هاشم قال أخبرنا المسيب بن واضح حدثنا محمد بن وليد قال قالوا للحسن صف لنا الدنيا قال أمس أجل واليوم عمل وغدا أمل. وقال زهير بن أبي سلمى (وأعلمُ ما في اليومِ والأمـسِ قَبْـلَهُ *** ولكنني عن علم ما في غـدٍ عـَمِ)
حدثني محمد بن علي بن الحسن بن شقيق عن النضر بن شميل قال قال الخليل بن أحمد الأيام ثلاثة معهود ومشهود وموعود فالمعهود أمس والمشهود اليوم والموعود غدا.
نعم إن المتقين سودتهم أعمالهم التي سمو بها عن سفاسف الأمور ، العلماء قادة : العلماء العاملون الذين يبينون للأمة سنن دينها في كل ناحية من النواحي التي تتناولها رسالة الإسلام ، بعلمهم يهتدي الضال عن الخطاء ويسير في الطريق المودية إلى رضوان الله ومجالستهم ريادة لطلاب العلم والمعرفة لينهلوا من معين المعرفة فهم كالسرج تنير الطريق وجلا الظلام ، وكما وصفه إسحاق الألبيري في قصيدته الموجهة لابنه أبو بكر قال :
(أبا بكر دعوتــــك لو أجبـــــتا ... إلى ما فيه حظــك إن عقــلتا) (إلى علـــــم تكــون بــــه إماما ... مطاعا إن نهـــيت وإن أمرتا )
(وتجلو ما بعينك من غشــــاها ... وتهديك السـبيل إذا ضـــللتا) (وتحمل منه فــــي ناديـك تاجا ... ويكسوك الجمال إذا اغتربتا)
(ينالك نفــــــعه ما دمــــت حيا ... ويـــــبقى ذخره لك إن ذهبتا) (هو الغضب المهند ليس ينبو ... تصيب به مقاتل من ضـــربتا)
(وكنز لا تخــــــاف عليه لصا ... خفيف الحمل يوجد حيث كنتا) (يزيد بكـــــثرة الإنفــاق مـنه ... وينــقص أن به كفا شــــــددتا)
(فلو قد ذقت من حلوا طعــما ... لآثرت التعلم واجتـــــــــــهدتا) (ولم يشغلك عنه هوى مطاع ... ولا دنيا بزخرفها فتــــــــــنتا)
(ولا ألهاك عنه أنيـق روض ... ولا خدر بربربه كلـــــــــــــفتا) ( فقوت الروح أرواح المعاني ... فإن أعطـــــــــــاكه الله أخذتا)
عباد الله إنما الأيام طرق الجد والساعات ركائب المجد وأيام العافية أوقات تستدرك وأحيان السلامة تنادي من جد أدرك
يا من أنفاسه محفوظة وأعماله ملحوظة أينفق العمر النفيس في نيل الهوى الخسيس
أخواني المفروح به من الدنيا هو المحزون عليه وبقدر التذكر يكون التأسف ومن فعل ما شاء لقي ما شاء .
أخواني أيام العافية غنيمة باردة وأوقات السلامة لا تشبهها فائدة فتناول ما دامت لديك المائدة فليست الساعات الذاهبات بعائدة .
كأنكم بالقيامة قد قامت وبالنفس الأمارة بالسوء قد لامت وانفتحت عيون طال ما نامت وتحيرت قلوب العصاة وهامت
( غدا توفي النفوس ما كسبـت ... ويحصد الزارعون ما زرعوا ) (إن أحسنوا أحسنــــوا لأنفسهم ... وإن أساءوا فبئس ما صـنعوا)

الدهر ثلاثة أيام أمس وقد مضى بما فيه وهو شاهد لك أو عليك . واليوم الذي أنت فيه هو حياتك ، فأغتنمه قبل الفوات وهو حياتك التي تعيشها ،وغدا في علم الغيب لا تدري تدركه أو لا ، وغد يطلق على ما بعد الموت جاء في التفسير الميسر عن آية الحشر ،
أ{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }الحشر18يها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه, خافوا الله, واحذروا عقابه بفعل ما أمركم به وترك ما نهاكم عنه, ولتتدبر كل نفس ما قدمت من الأعمال ليوم القيامة, وخافوا الله في كل ما تأتون وما تَذَرون, إن الله سبحانه خبير بما تعملون, لا يخفى عليه شيء من أعمالكم, وهو مجازيكم عليها .
قال عامر العدواني : الأيام ثلاثة : يوم مضى عليك لا ترجوه . ويوم أنت فيه لابد منه . ويوم يأتيك لا تأمنه . فأمس واعظ . واليوم غنيمة . وغدا لا تدري ما حكمه . وأمس الماضي شاهد مقبول . وأمين مؤد أودعته زادا خيرا أو شرا , وترك لك عوضا منه لتحسن صحبته واليوم الذي أنت فيه ضعيف سريع الظعن , فأحسن له الصحبة , يلقنك الحجة , ويحبوك الشهادة . وغد المقبل حاكم تنتظر قدومه , فأما حبيب لا يظلم وإما عدوا لا يرحم .
دخل أو الدرداء الشام فقال : يأهل الشام أسمعوا : قول أخ ناصح لكم . واعملوا لآخرتكم في هذه الأيام التي تسير كأنها تطير , وتلوح كأنها الريح فما انقضت ساعة من أمسك إلا وأخذت بضعة من نفسك . والسعيد من أعتبر بأمسه واستظهر لنفسه والشقي من جمع لغيره , وبخل على نفسه بخيره . قال أبو الدرداء أسمعوا قول أخ ناصح فاجتمعوا إليه , فقال : مالي أراكم تبنون ما لا تسكنون ! وتجمعون ما لا تأكلون وتؤملون ما لا تدركون ! إن الذين كانوا قبلكم بنوا مشيدا , وأملوا بعيدا , وجمعوا عتيدا , فأصبح أملهم غرورا , وجمعهم ثبورا ومساكنهم قبورا .

ليست هناك تعليقات: