الاثنين، ١ ديسمبر ٢٠٠٨

الحج المبرور

الحج المبرورليس له جزاء إلا الجنة
، والحج لغة القصد . وشرعا : القصد إلى البيت الحرام لأعمال مخصوصة في زمن مخصوص . والحج لايجب إلا مرة واحدة في العمر، ولايجب إلا على القادرين , وفرض الحج سنة تسع للهجرة ولم يحج النبي صلى الله عليه وسلم إلا مرة واحدة بعد أن طهر البيت من آثارالشرك وإزالة الاصنام التي كانت حول البيت : والتي أزيلت يوم فتح مكة المكرمة ف لله الحمد والمنة ،
إليـك إلهي قــد أتيـت ملـبيا ..... فبارك إلهي حجـتي ودعائـيا
قصدتك مضطر وجئتك باكيا ..... وحاشاك ربي أن ترد بكائيا
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، والصلاة والسلام على نبينا القائل :"أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا" رواه مسلم.الحج ركن من أركان الإسلام تهفو إليه القلوب المسلمة وتلبي له الأفئدة المؤمنة الموحدة على اختلاف أجناسها وتعدد ألوانها واختلاف قبائلها وأنسابها وأعرقها قائلة: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك مستجيبة لذلك النداء الذي أذّن به أبونا ابراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة و السلام فجاءت قوافل المؤمنين من كل فج عميق ليطوفوا بالبيت العتيق (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ) (27) الحج

اَلْمَوَاقِيتِ
722- عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا; - أَنَّ اَلنَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَّتَ لِأَهْلِ اَلْمَدِينَةِ: ذَا الْحُلَيْفَةِ, وَلِأَهْلِ اَلشَّامِ: اَلْجُحْفَةَ, وَلِأَهْلِ نَجْدٍ: قَرْنَ اَلْمَنَازِلِ, وَلِأَهْلِ اَلْيَمَنِ: يَلَمْلَمَ, هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ اَلْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ, وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ, حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ - مُتَّفَقٌ عَلَيْه ِ (2) .
723- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا: - أَنَّ أَنَّ اَلنَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَّتَ لِأَهْلِ اَلْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ - رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ, وَالنَّسَائِيّ ُ
ينقسم الحج إلى ثلاثة أنساك كما فصلها العلماء تمتع ، قاران ، وإفراد . مفصلة كما بلى :
أركان الحج :
1 _ الإحرام وهو نية الدخول في النسك .
2 _ الوقوف بعرفة .
3 _ طواف الإفاضة .
4 _ السعي بين الصفا والمروة ومن ترك شيئا من هذه الأكان لم يصح حجه حتى يأتي به .
التمتع:.
1 _ الإحرام من الميقات ويلبي قائلا ( لبيك عمرة متمتعا إلى الحج ).
2 _ طواف القدوم ( العمرة ).
3 _ الســعي .
4 _ تقصير الشعر أو حلقه .
5 _ التحلل من الإحرام والبقاء حلالا إلى يوم التروية الثامن من ذي الحجة
القــران : بكسر القاف
1 _ الإحرام من الميقات ويلبي قائلا ( لبيك عمرة وحجا ) .
2 _ طواف القدوم .
3 _ السعي : ويجوز تأخيره بعد طواف الإفاضة (يبقى المحرم في إحرامه وعليه أن يتجنب محظورات الإحرام إلى يوم التروية) .
الإفراد :
1 _ الإحرام من الميقات ويلبي قائلا ( لبيك حجا ) .
2 _ لايحرم من الميقات ساكنوا مكة والمقيمون فيها ويحرمون بالحج من منازلهم بمكة .
3 _ طواف القدوم .
4 _ السعي : إذا لم يسع المفرد بعد الطواف . أ ذهب إلى منى مباشرة عليه أن يسعى بعد طواف الإفاضة ( الزيارة) ويبقى على إحرامه إلى يوم النحر
مايفعله الحاج يوم 10
1 _ يتوجه إلى منى قبل شروق الشمس .
2 _ يرمي جمرة العقبة بسبع حصيات مكبرا مع كل حصاة .
3 _ ينحر الهدي القارن والمتمتع .
4 _ يحلق الشعر أو يقصر والحلق أفضل
5 _ يتحلل من الإحرام ويلبس الثياب .
6 _ يطوف طواف الإفاضة ويسعى .
مايفعله الحج أيام 11 ، 12 ، 13 من ذي الحجة :
1 _ يبيت في نى .
2 _ يرمي الجمرات الثلاث بعد الزوال مبتدىء من الجمرة الصغرى .
3 _ يجوز له التعجل يوم الثاني عشر . فينفر من منى إلى مكة قبل الغروب ثم يطوف للوداع .
الإحرام وصفته.
: خلاصة في أعمال الحج أعلم رسول الله عليه السلام الناس أنه حاج ، ثم أمر بالخروج للحج فأصاب الناس بالمدينة جدري أو حصبة ، منعت من شاء الله تعالى أن تمنع من الحج معه ، فأعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عمرة في رمضان تعدل حجة ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عامدا إلى مكة عام حجة الوداع التي لم يحج من المدينة منذ هاجر عليه السلام إليها غيرها ، فأخذ على طريق الشجرة ، وذلك يوم الخميس لست بقين من ذي القعدة سنة عشر نهارا بعد أن ترجل وادهن ، وبعد أن صلى الظهر بالمدينة وصلى العصر من ذلك اليوم بذي الحليفة ، وبات بذي الحليفة ليلة الجمعة ، وطاف تلك الليلة على نسائه ، ثم اغتسل ، ثم صلى الصبح بها ، ثم طيبته عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها بيدها بذريرة وطيب فيه مسك ، ثم أحرم ولم يغسل الطيب ، ثم لبد رأسه وقلد بدنته بنعلين ، وأشعرها في جانبها الأيمن وسلت الدم عنها ، وكانت هدي تطوع ، وكان عليه السلام ، ساق الهدي مع نفسه ثم ركب راحلته ، وأهل حين انبعثت به من عند المسجد ، مسجد ذي الحليفة بالقران بالعمرة والحج معا ، وذلك قبل الظهر بيسير ، وقال للناس بذي الحليفة : « من أراد منكم أن يهل بحج وعمرة فليفعل ، ومن أراد أن يهل بحج فليفعل ، ومن أراد أن يهل بعمرة فليفعل » . وكان معه عليه السلام من الناس جموع ، لا يحصيها إلا خالقهم ورازقهم عز وجل ، ثم لبى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : « لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك » ، وقد روي أنه عليه السلام زاد على ذلك ، فقال : « لبيك إله الحق » ، وأتاه جبريل صلى الله عليه وسلم ، فأمره أن يأمر أصحابه بأن يرفعوا أصواتهم بالتلبية ، وولدت أسماء بنت عميس الخثعمية زوج أبي بكر الصديق ، رضي الله عنه ، محمد بن أبي بكر ، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل وتستثفر بثوب ، وتحرم وتهل ، ثم نهض عليه السلام وصلى الظهر بالبيداء ، ثم تمادى واستهل هلال ذي الحجة ليلة الخميس ، ليلة اليوم الثامن من يوم خروجه من المدينة ، فلما كان بسرف حاضت عائشة رضي الله عنها ، وكانت قد أهلت بعمرة ، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل وتنقض رأسها وتمتشط وتترك العمرة وتدعها وترفضها ، ولم تحل منها وتدخل على العمرة حجا ، وتعمل جميع أعمال الحج إلا الطواف بالبيت ، ما لم تطهر . وقال عليه السلام وهو بسرف للناس : « من لم يكن منكم معه هدي ، فأحب أن يجعلها عمرة فليفعل ، ومن كان معه هدي فلا » ، فمنهم من جعلها عمرة كما أبيح له ، ومنهم من تمادى على نية الحج ولم يجعلها عمرة ، وهذا فيمن لا هدي معه ، وأما من معه الهدي فلم يجعلها عمرة أصلا وأمر عليه السلام في بعض طريقه ذلك من معه شاء أن يهل بالقران : بالحج والعمرة معا . ثم نهض عليه السلام إلى أن نزل بذي طوى ، فبات بها ليلة الأحد لأربع خلون لذي الحجة ، وصلى الصبح بها ، ودخل مكة نهارا من أعلاها من كداء من الثنية العليا صبيحة يوم الأحد المذكور المؤرخ فاستلم الحجر الأسود ، وطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكعبة سبعا ، رمل ثلاثا منها ومشى أربعا يستلم الحجر الأسود والركن اليماني في كل طوفة ، ولا يمس الركنين الآخرين اللذين في الحجر ، وقال بينهما ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار (1) ) ثم صلى عند مقام إبراهيم عليه السلام ركعتين ، يقرأ فيهما مع أم القرآن قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد جعل المقام بينه وبين الكعبة ، وقرأ عليه السلام إذ أتى المقام قبل أن يركع ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى (2) ) ثم رجع إلى الحجر الأسود فاستلمه ، ثم خرج إلى الصفا والمروة ، فقرأ ( إن الصفا والمروة من شعائر الله (3) ) « أبدأ بما بدأ الله به » ، فطاف بين الصفا والمروة أيضا سبعا راكبا على بعيره ، يخب ثلاثا ويمشي أربعا ، إذا رقي على الصفا استقبل الكعبة ونظر إلى البيت ووحد الله وكبره ، وقال : « لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده » ، ثم يدعو ، ثم يفعل على المروة مثل ذلك ، فلما أكمل عليه السلام الطواف والسعي أمر كل من لا هدي معه بالإحلال حتما ولا بد ؛ قارنا كان أو مفردا ، وأن يحلوا الحل كله ، من وطء النساء والطيب والمخيط ، وأن يبقوا كذلك إلى يوم التروية وهو يوم منى ، فيهلوا حينئذ بالحج ويحرموا حين ذلك عند نهوضهم إلى منى ، وأمر من معه الهدي بالبقاء على إحرامهم ، وقال لهم عليه السلام حينئذ إذ تردد بعضهم : « لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي حتى اشتريته ، ولجعلتها عمرة ، ولأحللت كما أحللتم ، ولكني سقت الهدي ، فلا أحل حتى أنحر الهدي » ، وكان أبو بكر وعمر وطلحة والزبير وعلي ورجال من أهل الوفر ساقوا الهدي ، فلم يحلوا وبقوا محرمين ، كما بقي عليه السلام محرما ؛ لأنه كان ساق الهدي مع نفسه ، وكان أمهات المؤمنين لم يسقن هديا فأحللن ، وكن قارنات حج وعمرة ، وكذلك فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم وأسماء بنت أبي بكر ، أحلتا حاشا عائشة ، رضي الله عنها ، فإنها من أجل حيضها لم تحل كما ذكرنا ، وشكا علي فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم إذ أحلت فصدقها النبي صلى الله عليه وسلم في أنه هو أمرها بذلك ، وحينئذ سأله سراقة بن مالك بن جعشم الكناني ، فقال : يا رسول الله متعتنا هذه ، ألعامنا هذا أم للأبد ؟ فشبك عليه السلام بين أصابعه ، وقال : « بل لأبد الأبد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة » ، وأمر عليه السلام من جاء إلى الحج على غير الطريق التي أتى عليه السلام عليها ممن أهل بإهلال كإهلاله أن يثبتوا على أحوالهم ، فمن ساق معه الهدي لم يحل ، فكان علي في أهل هذه الصفة ، ومن كان منهم لم يسق الهدي أن يحل ، فكان أبو موسى الأشعري من أهل هذه الصفة ، وأقام عليه السلام بمكة محرما من أجل هديه يوم الأحد المذكور والاثنين والثلاثاء والأربعاء وليلة الخميس ثم نهض صلى الله عليه وسلم ضحوة يوم الخميس ، وهو يوم منى ، وهو يوم التروية مع الناس إلى منى ، وفي ذلك الوقت أحرم بالحج من الأبطح كل من كان أحل من الصحابة رضي الله عنهم ، فأحرموا في نهوضهم إلى منى في اليوم المذكور ، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى الظهر من يوم الخميس المذكور والعصر والمغرب والعشاء الآخرة ، وبات بها ليلة الجمعة ، وصلى بها الصبح من يوم الجمعة ثم نهض عليه السلام ، بعد طلوع الشمس من يوم الجمعة المذكور إلى عرفة بعد أن أمر عليه السلام بأن تضرب له قبة من شعر بنمرة ، فأتى عليه السلام عرفة ، ونزل في قبته التي ذكرنا ، حتى إذا زالت الشمس أمر بناقته القصواء ، فرحلت له ، ثم أتى بطن الوادي فخطب الناس على راحلته خطبة ذكر فيها عليه السلام تحريم الدماء والأموال والأعراض ، ووضع فيها أمور الجاهلية ودماءها ، وأول ما وضع دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ، كان مسترضعا في بني سعد بن بكر من هوازن ، فقتله هذيل ، وذكر النسابون أنه كان صغيرا يحبو أمام البيوت ، وكان اسمه آدم ، فأصابه حجر غائر أو سهم غرب ، من يد رجل من بني هذيل فمات ، ثم نرجع إلى وصف عمله عليه السلام ، ووضع أيضا عليه السلام في خطبته بعرفة ربا الجاهلية ، وأول ربا وضعه ربا عمه العباس رضي الله عنه ، وأوصى بالنساء خيرا وأباحهم ضربهن غير مبرح ، إن عصين بما لا يحل وقضى لهن بالرزق والكسوة بالمعروف على أزواجهن ، وأمر بالاعتصام بعده بكتاب الله عز وجل وأخبر أنه لن يضل من اعتصم به وأشهد الله عز وجل على الناس أنه قد بلغهم ما يلزمهم ، فاعترف الناس بذلك ، وأمر عليه السلام أن يبلغ ذلك الشاهد الغائب ، وبعثت إليه أم الفضل بنت الحارث الهلالية ، وهي أم عبد الله بن العباس لبنا في قدح فشربه عليه السلام أمام الناس ، وهو على بعيره فعلموا أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن صائما في يومه ذلك ، فلما أتم الخطبة المذكورة أمر بلالا فأذن ، ثم أقام فصلى الظهر ، ثم أقام فصلى العصر ، ولم يصل بينهما شيئا ، لكن صلاهما عليه السلام بالناس مجموعتين في وقت الظهر بأذان واحد لهما معا وبإقامتين ، لكل صلاة منهما إقامة ، ثم ركب عليه السلام راحلته حتى أتى الموقف ، فاستقبل القبلة وجعل جبل المشاة بين يديه ، فلم يزل واقفا للدعاء ، وهنالك سقط رجل من المسلمين عن راحلته وهو محرم في جملة الحجيج فمات ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يكفن في ثوبيه ولا يمس بطيب ولا يحنط ولا يغطى رأسه ولا وجهه ، وأخبر عليه السلام أنه يبعث يوم القيامة ملبيا ، وسأله قوم من أهل نجد هنالك عن الحج ، فأعلمهم عليه السلام بوجوب الوقوف بعرفة ووقت الوقوف بها ، وأرسل إلى الناس أن يقفوا على مشاعرهم ، فلم يزل واقفا للدعاء حتى إذا غربت الشمس من يوم الجمعة المذكور وذهبت الصفرة أردف أسامة بن زيد خلفه ، ودفع عليه السلام وقد ضم زمام ناقته القصواء ، حتى إن رأسها ليصيب طرف رجله ، ثم مضى يسير العنق ، فإذا وجد فجوة نص ، وكلاهما ضرب من السير ، والنص آكدهما ، والفجوة الفسحة من الناس ، كلما أتى ربوة من تلك الروابي أرخى للناقة زمامها قليلا ، حتى تصعدها ، وهو عليه السلام يأمر الناس بالسكينة في السير ، فلما كان في الطريق عند الشعب الأيسر ، نزل عليه السلام فبال وتوضأ وضوءا خفيفا ، وقال لأسامة : « المصلى أمامك » أو كلاما هذا معناه ، ثم ركب حتى أتى المزدلفة ليلة السبت العاشرة من ذي الحجة ، فتوضأ ثم صلى بها المغرب والعشاء الآخرة مجموعتين في وقت العشاء الآخرة دون خطبة ، ولكن بأذان واحد لهما وبإقامتين ، لكل صلاة منهما إقامة ، ولم يصل بينهما شيئا ، ثم اضطجع عليه السلام بها ، حتى طلع الفجر ، فقام عليه السلام وصلى الفجر بالناس بمزدلفة يوم السبت المذكور ، وهو يوم النحر ، وهو يوم الأضحى ، وهو يوم العيد ، وهو يوم الحج الأكبر مغلسا أول انصداع الفجر ، وهنالك سأله عروة بن مضرس الطائي ، وقد ذكر له عمله أنه حج ، فقال له عليه السلام : « إن من أدرك الصلاة ، يعني صلاة الصبح ، بمزدلفة في ذلك اليوم مع الناس فقد أدرك الحج ، وإلا فلم يدرك » . واستأذنته سودة وأم حبيبة في أن تدفعا من مزدلفة ليلا ، فأذن لهما ولأم سلمة في ذلك وللنساء وللضعفاء بعد وقوف جميعهم بمزدلفة ، وذكرهم الله تعالى بها ، إلا أنه عليه السلام أذن للنساء في الرمي بليل ولم يأذن للرجال في ذلك ، لا لضعفائهم ولا لغير ضعفائهم ، وكان ذلك اليوم يوم كونه عليه السلام عند أم سلمة ، فلما صلى عليه السلام الصبح كما ذكرنا بمزدلفة أتى المشعر الحرام بها فاستقبل القبلة ودعا الله عز وجل بها ، وكبر وهلل ووحد ، ولم يزل واقفا بها حتى أسفر جدا ، وقبل أن تطلع الشمس ، فدفع عليه السلام حينئذ من مزدلفة ، وقد أردف الفضل بن العباس وانطلق أسامة على رجليه في سباق قريش ، وهنالك سألت الخثعمية النبي صلى الله عليه وسلم الحج عن أبيها الذي لا يطيق الحج ، فأمرها أن تحج عنه ، وجعل عليه السلام يصرف بيده وجه الفضل بن عباس عن النظر إليها وإلى النساء ، وكان الفضل أبيض وسيما ، وسأله أيضا عليه السلام رجل عن مثل ما سألت عنه الخثعمية ، فأمره عليه السلام بذلك ، ونهض عليه السلام يريد منى ، فلما أتى بطن محسر حرك ناقته قليلا ، وسلك عليه السلام الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى حتى أتى منى ، فأتى الجمرة التي عند الشجرة ، وهي جمرة العقبة ، فرماها عليه السلام من أسفلها بعد طلوع الشمس من اليوم المؤرخ بحصى التقطها له عبد الله بن عباس من موقفه الذي رمى فيه مثل حصى الخذف ، وأمر بمثلها ونهى عن أكبر منها ، وعن الغلو في الدين ، فرماها عليه السلام وهو على راحلته بسبع حصيات كما ذكرنا يكبر مع كل حصاة منها ، وحينئذ قطع عليه السلام التلبية ولم يزل بمنى حتى رمى الجمرة التي ذكرنا ورماها عليه السلام راكبا ، وبلال وأسامة أحدهما يمسك خطام ناقته عليه السلام ، والآخر يظله بثوبه من الحر ، وخطب الناس عليه السلام في اليوم المذكور وهو يوم النحر بمنى خطبة كرر فيها أيضا عليه السلام تحريم الدماء والأموال والأعراض والأبشار ، وأعلمهم عليه السلام فيها بحرمة يوم النحر وحرمة مكة على جميع البلاد ، وأمر بالسمع والطاعة لمن قاد بكتاب الله عز وجل ، وأمر الناس بأخذ مناسكهم فلعله لا يحج بعد عامه ذلك ، وعلمهم مناسكهم وأنزل المهاجرين والأنصار والناس منازلهم ، وأمر أن لا يرجعوا بعده كفارا ، وأن لا يرجعوا بعده ضلالا يضرب بعضهم رقاب بعض . وأمر بالتبليغ عنه وأخبر أن رب مبلغ أوعى من سامع . ثم انصرف عليه السلام إلى المنحر بمنى فنحر ثلاثا وستين بدنة ، ثم أمر عليه السلام بنحر ما بقي منها مما كان علي أتى به من اليمن مع ما كان عليه السلام أتى به من المدينة وكانت تمام المائة . ثم حلق عليه السلام رأسه المقدس وقسم شعره فأعطى نصفه الناس الشعرة والشعرتين ، وأعطى نصفه الثاني كله أبا طلحة الأنصاري ، وضحى عن نسائه بالبقر ، وأهدى عمن كان اعتمر منهن بقرة ، وضحى عليه السلام في ذلك اليوم بكبشين أملحين ، وحلق بعض الصحابة ، وقصر بعضهم ، فدعا عليه السلام للمحلقين ثلاثا وللمقصرين مرة ، وأمر عليه السلام أن يؤخذ من البدن التي ذكرنا من كل بدنة بضعة ، فجعلت في قدر وطبخت ، فأكل هو وعلي من لحمها وشربا من مرقها ، وكان عليه السلام قد أشرك عليا فيها ، ثم أمر عليا بقسمة لحومها كلها وجلودها وجلالها ، وأن لا يعطي الجازر منها على جزارتها شيئا ، وأعطاه عليه السلام الأجرة على ذلك من عند نفسه ، وأخبر الناس أن عرفة كلها موقف حاشا بطن عرنة ، وأن مزدلفة كلها موقف حاشا بطن محسر ، وأن منى كلها منحر ، وأن رحالهم بمنى كلها منحر ، وأن فجاج مكة كلها منحر . ثم تطيب عليه السلام قبل أن يطوف طواف الإفاضة ، ولإحلاله قبل أن يحل في يوم النحر ، وهو السبت المذكور ، طيبته عائشة رضي الله عنها بطيب فيه مسك بيديها ، ثم نهض عليه السلام راكبا إلى مكة في يوم السبت المذكور نفسه فطاف في ذلك اليوم طواف الإفاضة وهو طواف الصدر قبل الظهر ، وشرب من ماء زمزم بالدلو ومن نبيذ السقاية . ثم رجع من يومه ذلك إلى منى فصلى بها الظهر . هذا قول ابن عمر ، وقالت عائشة وجابر : بل صلى الظهر ذلك اليوم بمكة ، وهذا الفصل الذي أشكل علينا الفصل فيه بصحة الطرق في كل ذلك ، ولا شك أن أحد الخبرين وهم ، والثاني صحيح ، ولا ندري أيهما هو . وطافت أم سلمة في ذلك اليوم على بعيرها من وراء الناس وهي شاكية استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فأذن لها ، وطافت أيضا عائشة ذلك اليوم ، وفيه طهرت وكانت رضي الله عنها حائضا يوم عرفة ، وطافت أيضا صفية في ذلك اليوم ثم حاضت بعد ذلك ليلة النفر ، ثم رجع عليه السلام إلى منى وسئل عليه السلام حينئذ عما تقدم بعضه على بعض من الرمي والحلق والنحر والإفاضة ؟ فقال في ذلك : « لا حرج » ، وكذلك قال أيضا في تقديم السعي بين الصفا والمروة قبل الطواف بالكعبة ، وأخبر عليه السلام أن الله تعالى أنزل لكل داء دواء إلا الهرم ، وعظم إثم من اقترض عرض مسلم ظلما ، فأقام بمنى باقي يوم السبت ، وليلة الأحد ، ويوم الأحد ، وليلة الاثنين ، ويوم الاثنين ، وليلة الثلاثاء ، ويوم الثلاثاء ، وهذه هي أيام منى ، وهي أيام التشريق ، يرمي الجمرات الثلاث كل يوم من هذه الأيام الثلاثة بعد الزوال بسبع حصيات كل يوم لكل جمرة يبدأ بالدنيا وهي التي تلي مسجد منى ، ويقف عندها للدعاء طويلا ، ثم التي تليها وهي الوسطى ويقف عندها للدعاء كذلك ، ثم جمرة العقبة ولا يقف عندها ويكبر عليه السلام مع كل حصاة « وخطب الناس أيضا يوم الأحد ثاني يوم النحر ، وهو يوم الرءوس ، وقد روي أيضا أنه عليه السلام خطبهم أيضا يوم الاثنين وهو يوم الأكارع ، وأوصى بذوي الأرحام خيرا ، وأخبر عليه السلام أنه لا تجني نفس على أخرى . واستأذنه العباس عمه في المبيت بمكة ليالي منى المذكورة من أجل سقايته فأذن له عليه السلام ، وأذن للرعاء أيضا في مثل ذلك اليوم . ثم نهض عليه السلام بعد زوال الشمس من يوم الثلاثاء المؤرخ ، وهو آخر أيام التشريق ، وهو الثالث عشر من ذي الحجة ، وهو يوم النفر إلى المحصب ، وهو الأبطح ، فضربت له قبته ضربها أبو رافع مولاه ، وكان على ثقله عليه السلام ، وقد كان عليه السلام قال لأسامة أن ينزل غدا بالمحصب خيف بني كنانة ، وهو المكان الذي ضرب فيه أبو رافع قبته وفاقا من الله عز وجل دون أن يأمره عليه السلام بذلك . وحاضت صفية أم المؤمنين ليلة النفر بعد أن أفاضت فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل : » أفاضت يوم النحر « ؟ فقيل : نعم ، فأمرها أن تنفر ، وحكم فيمن كانت حالها كحالها أيضا بذلك . وصلى عليه السلام بالمحصب الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة من ليلة الأربعاء الرابع عشر من ذي الحجة ، وبات بها عليه السلام ليلة الأربعاء المذكورة ، ورقد رقدة ، ولما كان يوم النحر وهو يوم النفر رغبت إليه عائشة بعد أن طهرت أن يعمرها عمرة منفردة ، فأخبرها عليه السلام أنها قد حلت من عمرتها وحجتها ، وأن طوافها يكفيها ويجزئها لحجها وعمرتها فأبت إلا أن تعتمر عمرة مفردة ، فقال لها عليه السلام : » ألم تكوني طفت ليالي قدمنا « ؟ قالت : لا ، فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر أخاها بأن يردفها ويعمرها من التنعيم ففعلا ذلك ، وانتظرها عليه السلام بأعلى مكة ، ثم انصرفت من عمرتها تلك ، وقال لها : » هذا مكان عمرتك « ، وأمر الناس أن لا ينصرفوا حتى يكون آخر عهدهم الطواف بالبيت ، ورخص في ترك ذلك للحائض التي قد طافت طواف الإفاضة قبل حيضها . ثم إنه عليه السلام دخل مكة في الليل من ليلة الأربعاء المذكورة فطاف بالبيت طواف الوداع لم يرمل في شيء منه سحرا قبل صلاة الصبح من يوم الأربعاء المذكور . ثم خرج من كداء أسفل مكة من الثنية السفلى ، والتقى بعائشة رضي الله عنها وهو ناهض في الطواف المذكور وهي راجعة من تلك العمرة التي ذكرنا ثم رجع عليه السلام ، وأمر بالرحيل ومضى عليه السلام من فوره ذلك راجعا إلى المدينة ، فكانت مدة إقامته عليه السلام بمكة مذ دخلها إلى أن خرج إلى منى إلى عرفة إلى مزدلفة إلى منى إلى المحصب إلى أن وجه راجعا عشرة أيام ، فلما أتى ذا الحليفة بات بها ثم لما رأى المدينة كبر ثلاث مرات ، وقال : » لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون ، صدق الله وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده « ، ثم دخل عليه السلام المدينة نهارا من طريق المعرس ، والحمد لله رب العالمين كثيرا ، وصلى الله على محمد عبده ورسوله وسلم :
هذه حجة الرسول كاملة فعلى من أراد الحج قرأتها بتمعن وتطبيقها خطوة بخطوة وبهذا يكن الحج موافقا لما جاء في السيرة المطهرة ويكن حجه مبرورا بإذن الله
تقبل الله من الحجيج حجهم وأساله تعالى أن يعود الحاج بذنب مغفور وحج مبرور كما ولدتهم أمهاتهم خالين من كل الخطايا والذنوب . آمين