الثلاثاء، ٦ محرم ١٤٢٩ هـ

التوبة

{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }الزمر53 قال رسول الله عليه وسلم : من قال استغفر الله العظيم الذي لااله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه . غفر الله له وإن كان فر من الزحف : وقال صلى الله عليه وسلم أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر فإن استطعت إن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن : وقال صلى الله عليه وسلم : والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة: وقال صلى الله عليه وسلم : يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب في اليوم إليه مائة مرة : وقال : من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه . فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك : سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لإإله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .. إلا غفر ما كان في مجلسه ذلك : وقال : سيد الإ استغفار أن يقول العبد : اللهم أنت ربي لاإله إلا أنت خلفتني وأنا عبدك وأنا على عهدك و وعدك ما استطعت , أعوذ بك من شر ماصنعت , ابوء لك بنعمتك علي وأبو بذنبي فاغفر لي فإنه لايغفر الذنوب إلا أنت ،، رواه البخاري: التوبه باب واسع ورحمة من الله لمن سبق له التلوث في براثن الذنوب والمعاصي وانا أول اولئك فقد ضلمت نفسي ظلما كثيرا وانا معترف ومقر بذنوبي ومؤمن باني هالك إلم يتداركني الله برحمته التي وسعت كل شيء وهذا الذي أمل فيه وأسأل الله أن يعذرني عما سبق ، وأن يصفح عني , وأن يعاملني بلطفه ومغفرته ورحمته وأن يعاملني بماهو اهلة والا عاملني بما انا أهله ، وأن يثبتني على التوحيد والعقيدة الصحيحة حتى القاه وفي القبر حينما أوضع وحيدا مرهونا بعملي .. وليست ذنوبي كثيرة أمام رحمة الله الواسعة التي وسعت كل شي،
والتي لانهاية لها وإن كانت ذنوبي قد قضت مضجعي وا قلقتني ايما قلق وأشهد الله العلي العظيم الرؤف الرحيم أني نادم على فعل المعاصي التي
اقترفتها وكما يعلم الله إني ابيت الليالي افكر في مصيري بعد الموت غير أني لست يأيسا من رحمة الله وعلى من اراد أن يتعرض لعفو ربه
أن يحافظ على الصلوات مع جماعة المسلمين وأن يتجنب الكبر والعجب فإنه لايدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر،، وتعريفه :
الكبر هو: بطر الحق أي رده، وغمط الناس أي احتقارهم. ومما يسخط ربنا سبحانه الرياء والسمعة فانه من سمع سمع الله به ومن يرائي يرائي الله به . سمع الله به : فضحة يوم القيامة ، يرائي به يظهر سريرته : قال منصور بن عمار : كان لي صديق مسرف على نفسه في الذنوب ثم تاب ‘ وكنت أراه كثيرا . من العباد والقوام والصوام . وكثير العبادة والتهجد ففقدته أياما فقيل لي هو مريض . فأتيت إلى داره فخرجت إلي ابنته فقالت من تريد قلت قولي لأبيك فلان . فاستأذنت لي ثم دخلت فوجدته في وسط الدار وهو مضطجع على فراشه وقد اسود وجهه ، وذرفت عيناه وغلظت شفتاه . فقلت له وأنا خائف منه . يا أخي أكثر من قول( الإله إلا الله) ففتح عينيه فنظر إلي بشده ثم غشي عليه . فكررت عليه . أكثر من قول الإله إلا الله ثم كررتها عليه ثالثا ففتح عينيه فقال : بأخي منصور هذه كلمة قد حيل بيني وبينها مرتين ، فقلت لأحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ثم قل له أين تلك الصلاة والصيام والتهجد والقيام ؟ فقال : كان ذلك لغير الله .. كان ذلك لغير الله . وكانت توبتي كاذبة ، إنما كنت أفعل ذلك ليقال عني وأذكر به ، وكنت أفعل ذلك رياء للناس ، فإذا خلوت إلى نفسي أغلقت الأبواب وأرخيت الستار وشربت الخمور وبارزت ربي بالمعاصي .. ودمت على ذلك مد فأصابني المرض وأشرفت على الهلاك ، فقلت لابنتي ناوليني المصحف ، فقلت بعد أن أخذته : اللهم بحق كلامك في هذا المصحف العظيم إلا شيتني ورفعت عني البلاء، وأنا أعاهدك أن لا أعود إلى ذنب أبدا .. ففرج الله عني.. فلما شفيت عدت إلى ما كنت عليه من اللهو واللذات وأنساني الشيطان العهد الذي بيني وبين ربي ، فبقيت على ذلك مدة من الزمن فمرضت مرة أخرى وأشرفت حينها على الهلاك والموت فأمرت أهلي فأخرجوني إلى وسط الدار كعادتي ثم دعوت بالمصحف وقرأت فيه ثم رفعته وقلت : اللهم بحرمة ما في هذا المصحف الكريم من كلامك إلا ما فرجت عني ورفعت البلاء ، فاستجاب الله مني ورفع عني .. ثم عدت إلى ما كنت عليه من اللهو والضياع ما كأني عاهدت أن لا أعود .. فوقعت في هذا المرض الذي تراني فيه الآن فأمرت أهلي فأخرجوني إلى وسط الدار كما تراني ثم دعوت بالمصحف لأقرأ فيه فلم يتبين لي ولا حرف واحد منه فعلمت إن الله سبحانه قد غضب علي فرفعت رأسي إلى السماء وقلت : اللهم فرج عني ياجبار السماء والأرض اللهم فرج عني يا جبار السماء والأرض فسمعت كأن هاتفا يقول:
تتوب عن الذنب إذا مرضت
فكم من كربت نجـاك منها
أما تخشى بأن تأتي المنايا
وترجع للذنوب إذا برتــا
وكم كشف البلاء إذا بليتـا
وأنت على الخطايا قد لهوتا
قال منصور بن عمار: فو الله ما خرجت من عنده إلا وعيناي تسكب العبرات ، فلما وصلت الباب إلا قيل لي إنه قد مت قال الله تعالى {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُّرِيبٍ }سبأ54:
ثبت في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : \" لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة , فانفلتت منه , وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فأضطجع في ظلها – قد أيس من راحلته – فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح اللهم أنت عبدي وان ربك – أخطأ من شدة الفرح – \"سبحان الله ... وما أجمل تلك الحكاية التي ساقها ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين حيث قال : \" وهذا موضع الحكاية المشهورة عن بعض العارفين أنه رأى في بعض السكك باب قد فتح وخرج منه صبي يستغيث ويبكي , وأمه خلفه تطرده حتى خرج , فأغلقت الباب في وجهه ودخلت فذهب الصبي غير بعيد ثم وقف متفكرا , فلم يجد له مأوى غير البيت الذي أخرج منه , ولا من يؤويه غير والدته , فرجع مكسور القلب حزينا . فوجد الباب مرتجا فتوسده ووضع خده على عتبة الباب ونام , وخرجت أمه , فلما رأته على تلك الحال لم تملك أن رمت نفسها عليه , والتزمته تقبله وتبكي وتقول : يا ولدي , أين تذهب عني ؟ ومن يؤويك سواي ؟ ألم اقل لك لا تخالفني , ولا تحملني بمعصيتك لي على خلاف ما جبلت عليه من الرحمة بك والشفقة عليك . وارادتي الخير لك ؟ ثم أخذته ودخلت .فتأمل قول الأم : لا تحملني بمعصيتك لي على خلاف ما جبلت عليه من الرحمة والشفقة .وتأمل قوله صلى الله عليه وسلم \" الله أرحم بعباده من الوالدة بولدها \" وأين تقع رحمة الوالدة من رحمة الله التي وسعت كل شيء ؟فإذا أغضبه العبد بمعصيته فقد أستدعى منه صرف تلك الرحمة عنه , فإذا تاب إليه فقد أستدعى منه ما هو أهله وأولى به .فهذه تطلعك على سر فرح الله بتوبة عبده أعظم من فرح الواجد لراحلته في الأرض المهلكة بعد اليأس منها .حين تقع في المعصية وتلم بها فبادر بالتوبة وسارع إليها , وإياك والتسويف والتأجيل فالأعمار بيد الله عز وجل , وما يدريك لو دعيت للرحيل وودعت الدنيا وقدمت على مولاك مذنبا عاصي ,ثم أن التسويف والتأجيل قد يكون مدعاة لاستمراء الذنب والرضا بالمعصية , ولئن كنت الآن تملك الدافع للتوبة وتحمل الوازع عن المعصية فقد يأتيك وقت تبحث فيه عن هذا الدافع وتستحث هذا الوازع فلا يجيبك .لقد كان العارفون بالله عز وجل يعدون تأخير التوبة ذنبا آخر ينبغي أن يتوبوا منه قال العلامة ابن القيم \" منها أن المبادرة إلى التوبة من الذنب فرض على الفور , ولا يجوز تأخيرها , فمتى أخرها عصى بالتأخير , فإذا تاب من الذنب بقي عليه التوبة من التأخير , وقل أن تخطر هذه ببال التائب , بل عنده انه إذا تاب من الذنب لم يبقى عليه شيء آخر . ومن موجبات التوبة الصحيحة : كسرة خاصة تحصل للقلب لا يشبهها شيء ولا تكون لغير المذنب , تكسر القلب بين يدي الرب كسرة تامة , قد أحاطت به من جميع جهاته وألقته بين يدي ربه طريحا ذليلا خاشعا , فمن لم يجد ذلك في قلبه فليتهم توبته . وليرجع إلى تصحيحها , فما أصعب التوبة الصحيح بالحقيقة , وما أسهلها باللسان والدعوى. فإذا تكرر الذنب من العبد فليكرر التوبة , ومنه أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله : أحدنا يذنب , قال يكتب عليه , قال ثم يستغفر منه ويتوب ,قال : يغفر له ويتاب عليه , قال : يكتب عليه , قال :ثم يستغفر ويتوب منه ,قال : يغفر له ويتاب عليه . قال فيعود فيذنب . قال :\"يكتب عليه ولا يمل الله حتى تملوا \"
وقيل للحسن : ألا يستحي أحدنا من ربه يستغفر من ذنوبه ثم يعود , ثم يستغفر ثم يعود , فقال : ود الشيطان لو ضفر منكم بهذه , فلا تملوا من الاستغفار .إن الهلاك كل الهلاك في الإصرار على الذنوبوان تعاظمك ذنبك فاعلم أن النصارى قالوا في المتفرد بالكمال : ثالث ثلاثة . فقال لهم ( أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه ) وإذا كدت تقنط من رحمته فان الطغاة الذين حرقوا المؤمنين بالنار عرضت عليهم التوبة : ( إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوافلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الجحيم )
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله حبة .

ليست هناك تعليقات: