الجمعة، ١٤ ذو القعدة ١٤٣١ هـ

سفينة النجاة ..!

سفينة النجاة

{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ }آل عمران110
أنتم - يا أمة محمد - خير الأمم وأنفع الناس للناس, تأمرون بالمعروف, وهو ما عُرف حسنه شرعًا وعقلا وتنهون عن المنكر, وهو ما عُرف قبحه شرعًا وعقلا وتصدقون بالله تصديقًا جازمًا يؤيده العمل. ولو آمن أهل الكتاب من اليهود والنصارى بمحمد صلى الله عليه وسلم وما جاءهم به من عند الله كما آمنتم, لكان خيرا لهم في الدنيا والآخرة, منهم المؤمنون المصدقون برسالة محمد صلى الله عليه وسلم العاملون بها, وهم قليل, وأكثرهم الخارجون عن دين الله وطاعته. التفسير الميسر
110 - (كنتم) يا أمة محمد في علم الله تعالى (خير أمة أخرجت) أظهرت (للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان) الإيمان (خيراً لهم منهم المؤمنون) كعبد الله بن سلام رضي الله عنه وأصحابه (وأكثرهم الفاسقون) الكافرون . الجلالين
{ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125
ادعُ -أيها الرسول- أنت ومَنِ اتبعك إلى دين ربك وطريقه المستقيم, بالطريقة الحكيمة التي أوحاها الله إليك في الكتاب والسنة, وخاطِب الناس بالأسلوب المناسب لهم, وانصح لهم نصحًا حسنًا, يرغبهم في الخير, وينفرهم من الشر, وجادلهم بأحسن طرق المجادلة من الرفق واللين. فما عليك إلا البلاغ, وقد بلَّغْتَ, أما هدايتهم فعلى الله وحده, فهو أعلم بمن ضلَّ عن سبيله, وهو أعلم بالمهتدين. التفسير الميسر
عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« مَثَلُ الْوَاقِعِ فِى حُدُودِ اللَّهِ وَالْمُدَاهِنِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضَهُمْ أسُفْلٌ وَأَصَابَ بَعْضَهُمْ عُلْوٌ فَكَانَ الَّذِينَ فِى السُّفْلِ يَسْتَقُونَ مِنَ الْعُلْوِ فَيَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ فَيُؤْذُونَهُمْ فَقَالَ الَّذِينَ فِى الْعُلْوِ قَدْ آذَيْتُمُونَا تَصُبُّونَ عَلَيْنَا الْمَاءَ قَالَ فَأَخَذُوا فَأْسًا يَعْنِى الَّذِينَ في السُّفْلِ فَجَعَلُوا يَحْفِرُونَ فِى السَّفِينَةِ فَقَالَ لَهُمُ الَّذِينَ فِى الْعُلْوِ مَا تَصْنَعُونَ فَإِنْ تَرَكُوهُمْ وَمَا يُرِيدُونَ هَلَكُوا جَمِيعًا وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا جَمِيعًا ». أَخْرَجَهُ الْبُخَارِىُّ فِى الصَّحِيحِ

وقد أورد ابن أبي الدنيا عن قيس بن أبي حازم ، قال : قرأ أبو بكر هذه الآية ( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ثم قال : إن الناس يضعون هذه الآية على غير موضعها ، ألا وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إن القوم إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه ، والمنكر فلم يغيروه ، عمهم الله بعقابه »
قال : حدثنا عبد الله بن المبارك ، قال : أخبرنا عتبة بن أبي حكيم ، قال : حدثني عمرو بن جارية اللخمي ، قال : حدثني أبو أمية الشعباني ، قال : « أتيت أبا ثعلبة الخشني صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا أبا ثعلبة ، كيف تصنع في هذه الآية ؟ قال : أية آية ؟ قلت : قول الله : ( عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ، قال : أما والله لقد سألت عنها خبيرا ، سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : » بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر ، حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه ، فعليك بنفسك ودع عنك أمر العوام ، فإن من ورائكم أيام الصبر ، الصابر فيهن مثل القابض على الجمر ، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله « وزادني غيره : قال : يا رسول الله ، أجر خمسين منهم ؟ قال : » أجر خمسين منكم«
عن عبد الله بن عمرو ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا رأيت أمتي تهاب الظالم أن تقول له : إنك ظالم ، فقد تودع منهم »
عن عبد الله بن مسعود ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن من كان قبلكم كان إذا عمل العامل فيهم بالخطيئة نهاه الناهي تعذيرا ، فإذا كان الغد جالسه وواكله وشاربه ، كأنه لم يره على خطيئة بالأمس ، فلما رأى الله عز وجل ذلك منهم ضرب بقلوب بعضهم على بعض ، ثم لعنهم على لسان نبيهم داود ، وعيسى ابن مريم ، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ، والذي نفس محمد بيده ، لتأمرن بالمعروف ، ولتنهون عن المنكر ، ولتأخذن على يدي السفيه ، فلتأطرنه على الحق أطرا ، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعننكم كما لعنهم »
عن جريرالبجلي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : « أيما قوم عمل فيهم بالمعاصي هم أعز وأكثر ، لم يغيروا ، إلا عمهم الله بعقابه »
عن عائشة ، قالت : « دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وقد حفزه النفس ، فعرفت في وجهه أن قد حفزه شيء ، فما سلم علي حتى توضأ ، فلصقت بالحجرة ، فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : » أيها الناس إن الله عز وجل يقول لكم : مروا بالمعروف ، وانهوا عن المنكر ، قبل أن تدعوني فلا أجيبكم ، وتسألوني فلا أعطيكم ، وتستنصروني فلا أنصركم «
عن نافع ، عن ابن عمر ، رضي الله عنه ، قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « لتأمرن بالمعروف ، ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم ، فليسومنكم سوء العذاب ، ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم ، لتأمرن بالمعروف ، ولتنهون عن المنكر ، أو ليبعثن الله عليكم من لا يرحم صغيركم ، ولا يوقر كبيركم »
عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : « لا يمنعن أحدكم مخافة الناس أن يتكلم بحق إذا علمه » قال أبو سعيد : « فما زال بنا البلاء حتى قصرنا »
عن أبي سعيد الخدري ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « من رأى منكرا فاستطاع أن يغيره بيده فليفعل ، فإن لم يستطع بيده فبلسانه ، فإن لم يستطع بلسانه فبقلبه ، وذاك أضعف الإيمان »
عن أبي الرقاد ، قال : « خرجت مع مولاي فانتهى إلى حذيفة وهو يقول : إن كان الرجل ليتكلم بالكلمة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصير بها منافقا ، وإني لأسمعها من أحدكم اليوم في المقعد الواحد أربع مرات ، لتأمرن بالمعروف ، ولتنهون عن المنكر ، ولتحاضن على الخير ، أو ليسحتنكم الله جميعا بعذاب ، أو ليؤمرن عليكم شراركم ، ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم
من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من مخافة المخلوقين نزعت منه هيبة الطاعة ، فلو أمر ولده أو بعض مواليه لاستخف به
عن أبي سعيد ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا يمنعن أحدكم مخافة الناس أن يتكلم بالحق إذا رآه أو علمه أو رآه أو سمعه »
عن حذيفة ، قال : « لعن الله من ليس منا أعظم من أحد ، لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ، أو لتقتتلن فليظهرن شراركم على خياركم فليقتلنهم ، حتى لا يبقى أحد يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، ثم تدعون الله فلا يجيبكم ويمقتكم »
عن العلاء بن عبد الرحمن ، قال : حدثني الذي ، سمع عليا ، قال : « الجهاد على أربع شعب على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والصدق في المواطن ، وشنآن الفاسقين ، فمن أمر بالمعروف شد ظهر المؤمن ، ومن نهى عن المنكر أرغم أنف المنافق ، ومن صدق في المواطن قضى ما عليه ، ومن شنأ الفاسقين وغضب لله ، غضب الله له » قال : فقام الرجل إلى علي رضي الله عنه فقبل رأسه .
عن أبي هريرة ، قال : « قلنا : يا رسول الله ، إن لم نأمر بالمعروف ولم ننه عن المنكر ، حتى لا ندع شيئا من المعروف إلا عملنا به ، ولا شيئا من المنكر إلا تركناه ، لا نأمر بمعروف ولا ننهى عن منكر ؟ ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » مروا بالمعروف وإن لم تعملوا به كله ، وانهوا عن المنكر وإن لم تناهوا عنه كله «
عن أسامة بن زيد ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار ، فتندلق (1) أقتابه ، فيدور بها كما يدور الحمار برحاه (2) ، فيفزع له أهل النار فيجتمعون له فيقولون له : يا فلان ، ما لقيت ؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ؟ ، قال : بلى ، كنت آمر بالمعروف ولا آتيه ، وأنهى عن المنكر ولا أنتهي »
عن درة بنت أبي لهب ، قالت : قلت : يا رسول الله ، من خير الناس ؟ قال : « أتقاهم للرب ، وأوصلهم للرحم ، وآمرهم بالمعروف ، وأنهاهم عن المنكر »
عن عبد الله بن عمرو ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا تقوم الساعة حتى يأخذ الله شريطته من أهل الأرض ، فيبقى عجاج لا يعرفون معروفا ، ولا ينكرون منكرا »
عن ابن عباس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : « يأتي على الناس زمان يذوب فيه قلب المؤمن ، كما يذوب الملح في الماء » ، قيل : مم ذاك ؟ ، قال : « مما يرى من المنكر لا يستطيع أن يغيره »
عن سهل بن سعد الساعدي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما لعبد الله بن عمرو بن العاص : « كيف بك إذا بقيت في حثالة من الناس ، قد مرجت عهودهم وأماناتهم ، واختلفوا فصاروا كذا - وشبك بين أصابعه ؟ » قال : الله ورسوله أعلم ، قال : « اعمل بما تعرف ، ودع ما تنكر ، وإياك والتلون في دين الله ، وعليك بخاصة نفسك ، ودع عوامهم »
عن أسلم بن عبد الملك ، أنه سمع ابن سعيد بن أبي الحسن ، يذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : « أنتم اليوم على بينة من ربكم تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ، وتجاهدون في سبيل الله ، وستحولون عن ذلك فلا تأمرون بالمعروف ، ولا تنهون عن المنكر ، ولا تجاهدون في سبيل الله ، أنتم اليوم على بينة من ربكم ، لم تظهر فيكم السكرتان : سكرة الجهل وسكرة العيش ، وستحولون عن ذلك ، القائمون يومئذ بالكتاب سرا وعلانية كالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ، لهم أجر خمسين » ، قالوا : يا رسول الله ، منا أو منهم ؟ ، قال : « لا بل منكم »
عن أبي أمامة الباهلي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : « كيف أنتم إذا طغى نساؤكم ، وفسق شبابكم ، وتركتم جهادكم ؟ » ، قالوا : وإن ذلك لكائن يا رسول الله ؟ ، قال : « نعم ، والذي نفسي بيده ، وأشد منه سيكون » ، قالوا : وما أشد منه يا رسول الله ؟ ، قال : « كيف أنتم إذا لم تأمروا بالمعروف ، ولم تنهوا عن المنكر ؟ » ، قالوا : وكائن ذلك يا رسول الله ؟ ، قال : « نعم ، والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون » ، قالوا : وما أشد منه يا رسول الله ؟ ، قال : « كيف أنتم إذا رأيتم المعروف منكرا ، ورأيتم المنكر معروفا ؟ » ، قالوا : وكائن ذلك يا رسول الله ؟ قال : « نعم ، وأشد منه سيكون ، يقول الله تعالى : بي حلفت ، لأتيحن لهم فتنة يصير الحليم فيهم حيرانا »
عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ألا لا يمنعن أحدكم هيبة الناس أن يقول بحق إذا رآه أو شهده ، فإنه لا يقرب من أجل ولا يباعد من رزق ، أن يقال بحق أو يذكر بعظيم »
عن البراء بن عازب ، قال : « جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : علمني علما يدخلني الجنة ، قال : » لئن كنت أقصرت الخطبة ، لقد أعرضت المسألة : أطعم الجائع ، واسق الظمآن ، ومر بالمعروف وانه عن المنكر ، فإن لم تطق ، فكف لسانك إلا من خير «

لقد أوجب الله تعالى على كل مسلم أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر حسب قدرته وعلمه ، قال الله تعالى : { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان » وقد علمنا أن الحسبة ولاية دينية ، أي أنها وظيفة رسمية من وظائف الدولة المسلمة تختص بأداء واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وبهذا يتضح لنا أن الحسبة هي وسيلة رسمية للقيام بهذا الواجب . نظام الحسبة
جاء في صحيح الإمام البخاري رحمه الله تعالى عن النبي صلى الله عليه وسلم "مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم ، فقالوا: لو إنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فان تركوهم وما أرادوا هلكوا وهلكوا جميعا، وان أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً" : ففي هذا الحديث دليل كما يقول الإمام القرطبي على تعذيب العامة بذنوب الخاصة، وفيه استحقاق العقوبة للجماعة كلها عند ظهور المعاصي وانتشار المنكر وعدم التغيير، وانه إذا لم تغير المنكرات وترجع الأمور إلى حكم الشرع وجب على المؤمنين المنكرين لها بقلوبهم هجران ذلك البلد ، فالمجتمع الذي يشيع فيه المنكر، وتنتهك فيه حرمات الله، وينتشر فيه الفساد، ويسكت الأفراد عن الإنكار والتغيير، فإنَّ الله تعالى يعمهم بمحن غلاظ قاسية تعم الجميع وتصيب الصالح والطالح، وهذه في الحقيقة سنة مخيفة يدفع كل فرد لا سيما من كان عنده علم أو فقه أو سلطان إلى المسارعة والمبادرة فوراً لتغيير المنكر دفعاً للعذاب والعقاب عن نفسه وعن مجتمعه : قال صلى الله عليه وسلم: « إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه ، فلا ينكرونه ، فإن فعلوا ذلك عذب الله العامة والخاصة »إذا كنت مخاطراً بشيء فلا تخاطر بدينك : إضاءة على طريق المحتسبين . وأما التغيير فمثل ما روى أبو داود ، عن عبد الله بن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : « أنه نهى عن كسر سكة المسلمين الجائزة بينهم إلا من بأس » . فإذا كانت الدراهم أو الدنانير الجائزة فيها بأس كسرت . ومثل تغيير الصورة المجسمة إذا لم تكن موطوءة مثل ما روى أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أتاني جبريل فقال : إني أتيتك الليلة ، فلم يمنعني أن أدخل عليك البيت إلا أنه كان في البيت تمثال رجل ، وكان في البيت قرام ستر فيه تماثيل ، وكان في البيت كلب ، فأمر برأس التمثال الذي في البيت يقطع فيصير كهيئة الشجرة ، وأمر بالستر يقطع فيجعل في وسادتين منتبذتين يوطآن ، وأمر بالكلب يخرج ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا الكلب جرو كان للحسن والحسين تحت نضيد لهم » . رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وصححه . الحسبة لابن تيمية .
قلت : إن مهمة الأمر بالمعروف مهمة عظيمة وصعبة فهي مهملة الأنبياء ابتداء من أبينا آدم وانتهاء بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهي واجبة على الأمة وهي من الدين بالضرورة وليعلم المحتسب إن طريقه ليس مفروشا بالورود بل العكس فقد قص لنا القرآن معانات الأنبياء مع قومهم وما حصل لهم من التهديد والوعيد والقتل والطرد والضرب والاستهزاء والسخرية كما قص لنا ذلك القرآن المجيد في أكثر من آية غير أنهم صبروا وثابروا وواصلوا مشوارهم صابرين غير يائسين من نصر الله لهم حتى لو تأخر النصر { قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } الأعراف128 فكانت العاقبة لهم ولأتباعهم بان أورثهم الله ديار أولئك الطغاة وأبادهم والعاقبة المحمودة لمن اتقى الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه. وأما الطغاة فكانوا حديثا بعد أثر وهذه نتيجة حتمية والعاقبة للمتقين .
وما قصة مؤمن آل فرعون عنا ببعيد فقد نصح فرعون ووزرائه بعد التعرض لموسى عليه السلام بالقتل وأظهر لهم النصح لئلا يصيبهم الله مما يعدهم به موسى وذكرهم أن الملك لهم اليوم وهم ظاهرون في الأرض غير أن فرعون أبت عليه شقاوته إلا العناد والإصرار على رأيه الراشد في نظره ثم إن ذلك الرجل الصالح ذكرهم درت الله وما فعل سبحانه بالأحزاب مثل قوم نوح وعاد وثمود وأن الله لا يريد ظلما للعباد وطلب منهم الإيمان خوفا عليهم إذ لا عاصم لهم من الله إلا بالرجوع إلى الدين الحق ولما لم يصغوا إلى نصائحه ماذا كانت النتيجة {فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ }غافر45
ولفظ " السنة " في كلام السلف يتناول السنة في العبادات وفي الاعتقادات ، وإن كان كثير ممن صنف في السنة يقصدون الكلام في الاعتقادات ، وهذا كقول ابن مسعود وأبي بن كعب وأبي الدرداء رضي الله عنهم : اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة ، وأمثال ذلك .
والحمد لله رب العالمين وصلواته على محمد وآله الطاهرين وأصحابه أجمعين.

الاثنين، ٣ ذو القعدة ١٤٣١ هـ

خداع الماكرين !

--------------------------------------------------------------------------------


برز الثعلب يوماً ** في ثياب ألواعظـينا
فمشى في الأرض يهذي ** ويسبّ الماكرينا
ويقول : الحــــمد لله ** إله ألعالمينا
يا عباد الله توبوا فهو** كهــــــف التائبينا
وازهدوا في الطير **إن العيش عيش الزاهدينا
واطلبوا الديك يؤذن** لصـــلاة الصبح فينا
فأتى الديك رسول ** من إمام الناسكـــــــينا
عرض الأمر عليه** وهويرجو أن يلــــينا
فأجاب الديك : عذراً** يا أضلّ المـــهتدينا
بلّغ الثعلب عني** عن جدودي الصالحـينا
أنهـم قالـوا وخير** القـول قول ألعارفـينا
مخطـئٌ مـن ظـنّ يوماً** أنّ للثـعلب ديـنا

أحبتي عند تصفحي لقصائد الشاعر الكبير / احمد شوقي / رحمه الله أعجبتني هذه المطوعة التي يصور فيها ذلك الحيوان الماكر الثعلب في ثوب الواعظ المحذر من المكر ويطالب عباد الله بالتوبة والزهد وعدم إيذاء الطير ويوصي بعدم إيذاء الديك ليؤذن لصلاة الصبح ثم أرسل له رسولا وعرض الأمر على الديك إلا أن الديك قد استفاد من وصايا أجداده مخطئٌ من ظنّ يوماًأنّ للثعلب دينا . وبقي أن أشير إلى ما يسمى بالمغالطات المنطقية أو الجدلية وهو أمر في غاية الأهمية أن أكشف المغالطات المنطقية فهو أهم من التفصيل الآن في نظريات ودقائق منطقية ونحن اليوم في أمس الحاجة للانتباه إلى كثير من الخداع الذي يدغدغ أدمغتنا فلا تشعر إلا بسعادة البسطاء حينما تنخدع , الغش طريق موصل إلى النار. دليل على دناءة النفس وخبثهاالبعد عن اللهوعن الناس. أنه طريق لحرمان إجابة الدعاء. أنه طريق لحرمان البركة فيالمال والعمل أنه دليل على نقص الإيمان. ونتمنى أن يستفيد الجميع منهذه القصيدة العصماء من أمير الشعراء التي أعجبتني وأحببت إتحافكم بها لتأخذوا الحيطة من خداع الماكرين . ولكم مني أجمل تحية ومحبة .

سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك